لا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة، أن القيادة الممسكة بسنام حركة فتح جرَّتها بعيدًا جدًا عن الأهداف التي نشأت من أجلها قبل 57 عامًا.
ربَّما كان رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب، أصدق وصفًا وأدق تعبيرًا لحال كوادر الحركة، حين علَّق مؤخرًا على اعتقال أجهزة أمن السلطة لقريبه المحرر عبد الرؤوف الجاغوب، كاتبا: "والله يا عم تاهت المفاهيم وأصبح الحليم حيران".
ولم يكن منير ليعبِّر بصدق وصراحة لولا أن أذى قيادة السلطة التي تديرها الرؤوس المتنفذة في حركة فتح طالته بشكل شخصي، وقد تَعوَّد أن يبرر للاعتقالات السياسية ويُزين الأفعال القذرة للسلطة وأجهزتها.
لكن السيد منير، لم يشأ القول إن أول المفاهيم تاهت في صحراء قيادة فتح والسلطة، كان مفهوم "التحرر"، حين اعترفت بـ(إسرائيل) كدولة وبأحقيتها في الوجود على الأراضي التي احتلتها قبل العام 1967م.
ثم تاهت مزيد من المفاهيم مع قدوم السلطة إلى الأراضي الفلسطينية وممارستها وظيفة التعاون الأمني مع الاحتلال، ثم لاحقًا في عام 2007 حين سلَّم الجناح العسكري للحركة (كتائب شهداء الأقصى) السلاح، وأعلنت الحركة وقف الهجمات على (إسرائيل) مقابل عفو الأخيرة عن أعضائها، لتطوي "فتح" عدة عقود من المقاومة المسلحة للاحتلال.
الوحدة، الشراكة، النضال، هذه بعض المفاهيم التائهة، والتي لم تهتد حتى اللحظة بعاقل في "فتح" يمسك بها، ويعيد الرشد للحركة، في خضم إمعان القيادة المتنفذة الحالية بتعميق الشرخ والانقسام، وتشديد نزعة التفرد والإقصاء، ومحاربة كل أشكال النضال والمقاومة للعدو الحقيقي المفترض (الاحتلال).
واليوم، تسعى قيادة السلطة لعقد اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، لشرعنة الواقع المخزي وتثبيت سيطرتها على القرار الفلسطيني، مستعينة بشخصيات وفصائل هلامية وأخرى انتهازية، يرضيها الفتات وبعض الامتيازات والرشاوى.
وخلال الفترة الماضية، نشطت الفصائل الكبرى والحراكات الشعبية الفاعلة، لمجابهة هذا الوضع، تعبيرًا عن رفض عقد اجتماع لمركزي المنظمة المختطفة، وعبَّرت عن ذلك في بيانات ومؤتمرات ووقفات وفعاليات مختلفة.
ولكن السؤال المهم، إلى متى يسمح شعبنا وقواه الحية باستمرار المسرحية المملة المتكررة، على المسرح السياسي الفلسطيني، وهل سيبقى الجمهور في موقف المتفرج المستنكر الرافض، دون حراك يقلب القاعة رأسا على عقب، ويسدل الستار على المشهد الأخير بلا رجعة؟.