قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: تقرير منظمة العفو الدولية والتنسيق الأمني “المقدس”

أنيس فوزي قاسم
أنيس فوزي قاسم

أنيس فوزي قاسم

أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) ظهر يوم الثلاثاء الموافق الأول من فبراير 2022، تقريراً موثقاً توثيقاً ممتازاً بعنوان “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين”، وبذلك يكون هذا التقرير الرابع حول سياسة الأبارتهايد الإسرائيلية.

وكان التقرير الأول هو الذي أصدرته المنظمة الدولية المعروفة بـ”الإسكوا”، وهي منظمة منبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، وكان ذلك بتاريخ 15 مارس 2017، وكانت الدكتورة ريما خلف هي الرئيسة التنفيذية لتلك المنظمة، وقدمت استقالتها بعد أن رفضت الانصياع لطلب الأمين العام للأمم المتحدة بعدم نشر التقرير. وأهمية ذلك التقرير أنه ربما كان الأول من نوعه، وتمّ إعداده من قبل اثنين من الأساتذة ذوي المصداقية العالية، الاول هو البروفيسور ريتشارد فالك وكان أستاذ القانون الدولي في جامعة برنستون لسنوات طويلة، وكان من أشدّ المناهضين لحرب فيتنام، والبرفيسورة فيرجينيا تللي أستاذة العلوم السياسية في جامعة جنوب الينويز، وقد تمّ تكليفهما من قبل منظمة الإسكوا، لبحث أسباب عدم التقدم الاقتصادي في فلسطين.

وأهمية ذلك التقرير أنه لم يذهب إلى حيثيات الممارسات الإسرائيلية التفصيلية التي تؤشر إلى سياستها العنصرية، بل ذهب إلى الجانب الفكري من السياسة الصهيونية، وأشار إلى تطبيقات تلك السياسة على قطاعات الشعب الفلسطيني في الشتات، والداخل، والقدس، واللاجئين، وكيف أن إسرائيل صاغت قوانين على مقاس كل قطاع، وانتهت إلى بناء نظام قانوني عنصري. وكان الثاني التقرير الجيد الذي صدر من منظمة “هيومن رايتس ووتش” (مراقبة حقوق الإنسان) في إبريل 2021. وهو تقرير طويل ومفصل وتعرض إلى التطبيقات العملية التي تعكس السلوك الإسرائيلي ومظاهر الأبارتهايد. ومن أهم مواصفاته أنه لا ينقصه التوثيق المحكم لكل الممارسات الإسرائيلية. وتلاه تقرير منظمة بتسيلم (وهي منظمة إسرائيلية لها مواقف جيدة في الدفاع عن أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة) وصدر التقرير في عام 2021 كذلك.. وأهمية التقرير أنه جاء من داخل إسرائيل، ويستند إلى سجل الممارسات اليومية التي ترصدها هذه المنظمة. إنها تؤكد المثل الذي يقول: وشهد شاهد من أهله. والتقرير الأخير هو تقرير منظمة العفو الدولية، وهي أقدم منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتتمتع بمصداقية عالية بسبب تاريخها الطويل وخبراتها الجيدة في رصد الانتهاكات التي تقع في مختلف دول العالم. وتمتاز هذه التقارير جميعها بالجرأة والمصداقية والحيادية.

إن أهمية تقرير منظمة العفو الدولية تكمن في أنه شامل في تغطيته، وموثق توثيقاً محرجاً للسلطات الإسرائيلية، ويقع في 288 صفحة. ويستند في دعم أبحاثه والنتائج التي توصل إليها إلى مجموعة القوانين والتشريعات الإسرائيلية، وهو استناد يحصن التقرير ضد الحملة الغوغائية وغير المقبولة، التي تخوضها السلطات الإسرائيلية، التي لم تجد من أدوات الطعن في التقرير سوى الأداة الممجوجة والمستهلكة التي وجهها وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن منظمة العفو الدولية تكشف عن “عدائها للسامية”.

وبعد أن يستعرض التقرير الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، سواء من كان منهم من مواطني إسرائيل، أو من فلسطينيي الأراضي المحتلة (بما فيها القدس الشرقية)، يصل إلى التوصيات التي تشمل أولاً- التوصية للادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، بإدراج جريمة الفصل العنصري في سياق التحقيق الذي شرع الادعاء العام فيه، اعتباراً من 3/3/2021، وهذه توصية مهمة وعلى الفلسطينيين التقاطها والاستثمار فيها بهمة ونشاط، كما أوصى التقرير ثانياً، الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تعيد إحياء اللجنة الخاصة المعنية بالفصل العنصري، التي أُنشئت أصلاً عام 1962 أثناء الحملة الدولية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وعلى البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة الاستفادة من هذه التوصية، والإسراع في تجنيد الدول الصديقة لاستصدار قرار أممي يعلن أن “إسرائيل دولة فصل عنصري” كما كانت جنوب افريقيا، ويقدم التقرير التوصية الثالثة إلى “جميع الحكومات والقوى الإقليمية الفاعلة، خاصة تلك التي تربطها علاقات دبلوماسية وثيقة مع إسرائيل.. ألاّ تدعم نظام الفصل العنصري، أو تقدم المعونة أو المساعدة لإدامة مثل هذا النظام، كما ينبغي عليها التعاون من أجل إنهاء هذا الوضع غير القانوني”. كما يحضّ التقرير ـ أخيراً- هذه الدول على أن “تراجع جميع أشكال التعاون والأنشطة المشتركة مع إسرائيل لضمان أنها لا تسهم في إدامة نظام الفصل العنصري”.

وما يهمنا في هذه التوصيات التوصية الأخيرة، من دون الانتقاص من أهمية التوصيات الأخرى، ذلك أن هذه التوصية تحضّ جميع الأطراف، وهذا بالضرورة يشمل القيادة الفلسطينية، التي عليها مراجعة جميع أشكال التعاون والأنشطة المشتركة مع إسرائيل، لضمان أنها لا تسهم في إطالة عمر الفصل العنصري. والقيادة الفلسطينية ما زالت ترتبط باتفاقيات أوسلو، التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت أنه لا يلتزم بها، وقد سبقه في هذا الموقف شارون ونتنياهو، ومع ذلك ما زالت القيادة الفلسطينية تتمسك بها. صحيح أن اتفاقيات أوسلو هي المرجعية، التي أنشئت سلطة الحكم الذاتي على أساسها، إلاّ أنه من الثابت الآن أن هذه السلطة قد تمّ اختصارها إلى “سلطة أمنية” إذ أن أصحاب القرار الإسرائيليين ـ وبينيت نفسه مستوطن- يرفضون بحث أي مواضيع سياسية مع السيد محمود عباس، وكل اجتماعاتهم معه تتلخص بتعميق “التنسيق الأمني”، على حدّ تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس. وهكذا تحوّلت القيادة الفلسطينية إلى “شرطي أمن” وليس ممثلاً لفلسطينيي الداخل، وقد قبلت القيام بهذا الدور بعد أن أسبغت على هذه الوظيفة مرتبة “القداسة”، أي أنها تتمسك بهذه الوظيفة كأولوية، رغم قرارات المجالس الوطنية والمجالس المركزية، التي طالبت السلطة بوقف التنسيق الأمني.

الآن تأتي منظمة العفو الدولية، وتطلب من أي طرف له علاقة بإسرائيل أن يعيد النظر في علاقته بها، كيلا تقدم هذه العلاقه فائدة لإسرائيل، ولاسيما في دعم وتقوية نظام الفصل العنصري. وفي الواقع سيكون من المحرج، بل ومن الإثم الوطني، أن يطالب الفلسطينيون الدول الصديقة والشقيقة بأن توقف علاقاتها ونشاطاتها مع إسرائيل بينما القيادة الفلسطينية تتمسك بالتعاون الأمني. من الثابت أن نظام الابارتهايد الإسرائيلي هو عبء ثقيل، كما أوضح تقرير منظمة العفو الدولية، يقع على كاهل أهلنا في فلسطين التاريخية كافة، وعلى كاهل اللاجئين كذلك، والتي تهيمن عليها إسرائيل حالياً هيمنة فعلية.

إن التنسيق الأمني الذي تمارسه قيادة سلطة أوسلو، أصبح ليس لعنة في جبين المسؤولين الذين يتمسكون به، بل عملية تجسس رخيصة على المقاومين الفلسطينيين لصالح سلطة الأبارتهايد. هل حدث في التاريخ أن تحوّلت حركة تحرر وطني إلى خدمة مستعمريها، إلاّ في ظل قيادة أوسلو؟! أليس في ذلك خدمة وتقديم العون بالمساعدة لسلطة الأبارتهايد الإسرائيلي؟ أليس في ذلك توفير للجهد والتعب على سلطة الأبارتهايد والمساهمة في إطالة عمر هذا الاضطهاد الواقع على شعبنا؟ انتهى دوركم يا سلطة أوسلو!

البث المباشر