مؤمن بسيسو
لا خيارات فلسطينية حقيقية للإفلات من الأزمة الوطنية التي تعصف بشعبنا ووطننا وقضيتنا سوى خيار إنفاذ المصالحة وإنهاء الانقسام.
إن شئنا الحقيقة والصدق مع الذات فإن الخطوة الأولى والمدخل الأساس لعلاج كافة مشكلاتنا وأزماتنا الوطنية يكمن في غياب الشراكة والاستعداد لتقبل الآخر، فيما يبدو طرح أية حلول أو خيارات خارج جذر المأساة الفلسطينية الداخلية التي لا زالت فصولها ومشاهدها التراجيدية تتواصل تترى، فاقدة لأي معنى قيمي أو حسّ وطني.
يلوّح "أبو مازن" وسلطته ومنظمته بخيارات سياسية مفرغة من أية قيمة سياسية، وهو يعلم علم اليقين أن خياراته لا تعدو كونها ورقة ضاغطة لأغراض الاستخدام والتوظيف السياسي، وأن هدفها لا يتجاوز تحريك المياه الراكدة وحثّ الإدارة الأمريكية للضغط على الاحتلال لتجميد جزئي ومؤقت للاستيطان في الضفة بغية إعادة قاطرة المفاوضات إلى سكّتها من جديد.
وكان لافتا أن "أبو مازن" لم يضع خيار الوحدة والمصالحة الداخلية ضمن رزمة خياراته التي قذف بها في وجه المجتمع الدولي، ما يضع علامات استفهام جوهرية حول الأجندة التي تبغي فتح والسلطة تطبيقها خلال المرحلة المقبلة، ويعطينا جرعة عالية من التشاؤم حول إمكانية طيّ صفحة الانقسام على المدى المنظور.
التوجه إلى مجلس الأمن أو الأمم المتحدة لدعم إقامة دولة فلسطينية أو حتى لدعم مطلب تجميد الاستيطان لم يعد ذا بال في ظل الفيتو الأمريكي الصريح، وفي ظل التملّص الأوروبي من دعم الموقف الفلسطيني الذي يتأسس أصلا على قاعدة العجز والارتكاس العربي المشين الذي جسدته قرارات لجنة المتابعة العربية مؤخرا.
بل إن خيار حل السلطة أو المقاومة الشعبية الذي لُوّح بهما هُنيهة لا يندرجان أصلا، وبشكل جذري، ضمن خيارات الرجل الذي يؤمن بضرورة إدمان التفاوض حتى الثمالة، وإدامة اللقاءات العبثية حتى استشراء السرطان الاستيطاني في عموم الأرض الفلسطينية، ولا يفكر في أي خيار أو حتى توجّه يمكن أن يضرّ أو يسبب أذى للمحتلين.
لا مناص من أن يقرّ "أبو مازن"، مجبرا ومكرها، بأن خياراته كلها خيارات صفرية، وأن التعويل على استمرار التلويح أو التهديد بها مضيعة للوقت، وضرب من ضروب العبث الوطني على إيقاع تسارع خطى التهويد والاستيطان الذي تشتد وتائره بشكل غير مسبوق هذه الأيام.
سؤال المرحلة اليوم: ألم يدرك "أبو مازن" هذه الحقيقة بعد، ويتوقف –بالتالي- عن استمرار الرهان على إحداث تغير أو تبدل في الموقف الأمريكي أو المجتمع الدولي، ويندفع من فوره إلى خيار الوحدة الداخلية وإعادة لمّ الشمل الوطني على أسس وطنية سليمة؟!
نجزم بأن "أبو مازن" يدرك تماما مواضع قدميه، ويفهم الحقائق جيدا، لكنه لا يمتلك الإرادة الحرة والجرأة اللازمة لاتخاذ قرار استراتيجي بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، ويبني حساباته على أسس واعتبارات خارجية لا علاقة لها بمصالح شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية.
لو أراد "أبو مازن" نفخ الروح في خياراته السياسية لأصدر أوامره بوقف أو على الأقل تخفيف التنسيق الأمني مع الاحتلال إلى حده الأدنى، وكبَح حالة التغول البشعة على القيم والحريات في الضفة، وأشعل الضوء الأخضر أمام قطار المصالحة الوطنية، وارتكز على الحاضنة الشعبية الموحدة في مواجهة التحديات السياسية الخارجية.
"أبو مازن" يُكثر فقط من الجعجعة والكلام الفارغ، ما جعله أشبه بدمية ناطقة في نظر الاحتلال والأمريكيين والأوروبيين، لا يؤبه لصوتها أو حدة نبراتها ما دامت مجردة من أي فعل حقيقي أو ترجمة واقعية.
الحال الفلسطيني سيبقى في إطار المراوحة المقيتة ما دامت خيارات قادته منبثقة عن إرادة عاجزة وقرار مستلب، وخاضعة لحسابات شخصية أو غير وطنية.