الأزمة الروسية الأوكرانية لا تزال تتسع وتأخذ منحنيات خطيرة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، وهو بالتأكيد ما يُعرض العالم للكثير من المهددات على كافة المستويات، حيث لا تقبل روسيا النووية أن توقف عملياتها القتالية دون أن تحقق أهدافها الاستراتيجية، لمنع تهديد أمنها القومي، وتحطيم امبراطورية الغرب وديمقراطيته الزائفة.
يقف العالم اليوم أمام العديد من السيناريوهات، فإما أن تكون حربًا عالمية ثالثة، المنتصر بها سيكون خاسرًا، وإما مواصلة القتال المحدود، الجميع خلاله سيكون أيضَا خاسرًا، فالنزوح من أوكرانيا ما زال متواصل، ومئات الآلاف من النازحين باتوا يشكلوا تهديدًا على النظام الأوكراني وعلى المجتمع الدولي، وهو ما تحدث عنه خبراء استراتيجيين عبر الكثير من الشبكات الإعلامية التي تتناول هذه القضية الخطيرة والتي تهدد السلم المجتمعي، لأن ما أظهره قادة غربيون يشي بأن العنصرية باتت تتغلغل في دماء الغرب خلال التعامل مع النازحين، حيث اعترفت الأمم المتحدة، بأن "بعض اللاجئين من جنسيات غير غربية واجهوا العنصرية أثناء محاولتهم النزوح عبر الحدود الأوكرانية إلى بولندا، وقد ذكرت صحيفة "الإندبندنت" أن المفوض السامي لشؤون اللاجئين "فيليبو غراندي" اعترف في بيان صدر في الأول من مارس لهذا العام حول العنصرية والابتزاز الذي يتعرض له الفارين من الحرب، وقد وثّقت شهادات أشخاص من أصل إفريقي ومن جنوب أسيا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط تُفيد أنهم مُنعوا من الدخول إلى الحدود البولندية، وإعطاء الأولوية إلى الأوكرانيين من ذوي العرق واللون.
كما وصف غربيون النازحين الأوكرانيين بأنهم ليسوا كأي نازحين، وخلال تغطية الأحداث عبر شبكة (CBS) وصف مراسل الشبكة "تشارلي داغاتا" الأوكرانيين بأنهم متحضرون وأوربيون مثقفون مقارنةً بأفغانستان والعراق على حد وصفه، وهنا إشارة إلى مفارقة ليست بمكانها خلال أزمة عالمية قد تطال العالم بأسره، وفي مقابلة أخرى مع "ديفيد ساكفارليدزي" النائب العام السابق لأوكرانيا عبر قناة (BBC) وصف ما يجري بحق أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر بأنهم يتعرضوا للقتل والتهجير، في حين وصف "أوليس جوسيت" معلق السياسة الخارجية على قناة (BFM) الفرنسية أن هناك صواريخ تُطلق على أوكرانيا كما لو كنا في العراق أو أفغانستان، وخلال نقل ما يجري في منطقة "دينيبرو" الأوكرانية حيث يقوم الأوكرانيين بتجهيز العبوات الحارقة "المولوتوف" دعا "جون سباركس" مراسل قناة سكاي نيوز البريطانية للانضمام إلى المجموعات الشبابية التي تستعد للتصدي للجيش الروسي، فيما أن بريطانيا ودول غربية أخرى وعلى رأسهم الإدارة الامريكية يصفون طفلاً يُلقي الحجارة على قتلة الأطفال ومن رحلونا من ديارنا وهجرونا من أوطاننا وارتكبوا أبشع المجازر التاريخية بــــ "الإرهابي".
الألقاب لها تاريخ، وحاضر ومستقبل، فالتاريخ الذي لم ينصف قضيتنا وأطاح بها في البيت الأبيض، سينهار أمام حاضر اليوم الذي تغيرت فيه المصطلحات على يد الإرهاب الدولي الذي يمارس العنصرية بكل أشكالها، والمستقبل القريب يبدو بات حاضرًا كذلك لتغيير تكتلات أقطاب العالم الذين أنشأوا هذه العنصرية وأصبحت ثقافة غربية لا تصلح لحاضر ولا لمستقبل في ظل انتكاسات كبيرة تتعرض لها أنظمتهم الفاشية.
لقد أظهرت الحرب لنا كفلسطينيين بأننا كنا تائهون حين آمنا بديمقراطيتهم الكاذبة، وحين جفت أقلامنا من أحبارها ونحن نتغنى بنماذجهم التي وصفناها بالتاريخية، فالتاريخ لم يعد قائمًا، لأن المعادلات عبر العصور لا تحتمل البقاء، لكنها ستدخل في معالجات كونية لتغير معالمها وإلى الأبد.
