مقال: (عباس يعلن الإفلاس حين يُسْقِطُ خَوَرَهُ على قادة حماس)

د. يونس الأسطل

 

( يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (

 ( النور: 30)

     في غضون  يومين ألقى خطابين محمود عباس صاحب السلطة المطلقة، من حيث رئاسته لحركة فتح، ولمنظمة التحرير، ولسلطة الحكم الذاتي المحدود المؤقت، وهي التي يراد تجديدها بالتباكي على الانتخابات، بعد أن انتهت من عشرة أشهر، ومع كل تلك الصلاحيات غير أنه لا يملك اجتياز حاجزٍ عسكريّ إلا بتصريح خاص من سلطة الاحتلال الصهيوني، ولعل في ذلك حكمةً؛ فإنه في اليوم الذي تبلغ فيه روحه الحلقوم، أو يقرر الصهاينة أن يحسبوه في المقاطعة، سيقتتل المستورثون، وربما أفنى بعضهم بعضاً، ولسوف تُنْشَرُ كثير من الأسرار المخزية على الحبال، ويظهر أن كل ما قيل عن المشروع الوطني والدولة إنْ هو إلا عباءةٌ يتدثر بها زبائن النسخة الممسوخة لمشروع (لَحْدٍ) الجديد على أرض فلسطين.

     لقد كان المأمول في الخطابين أن يمهدا للمصالحة التي يبدو أن رعاتها المصريين في عجلةٍ من أمرهم، لكنه قد خَيَّبَ الآمال، وزاد الطين بلة؛ إذْ  جاء حديثه محشوّاً بالكذب، مشحوناً بالإفك، خاصةً فيما يتعلق بقيادة حركة المقاومة الإسلامية إبان معركة الفرقان، أو الرصاص المسكوب، كما نَعَتَها الصهاينة.

     فقد زعم في اليوم الأول أن قادة حماس قد اختبأوا في الأقبية، وتركوا الناس وَحْدَهم يواجهون الهجوم اليهودي المجنون، ولذلك فقد حصل لهم كل تلك الخسائر التي تدعو للشفقة عليهم، وأما الخطاب الثاني فقد زعم فيه أن قيادة حماس قد هربت إلى العريش في سيارات الإسعاف؛ تحاشياً للقتل، وبقي الشعب المسكين تحت الموت، ومئات أطنان القنابل والصواريخ.

     إن هذا الإفك أحقر من أن يُرَدَّ عليه، ولْيّقُلْ لنا : ما يفعل هو وأجهزته الأمنية في الضفة الغربية عندما يقع اجتياح يهودي بصورة شبه يومية، هل يكونون في الميدان، أم أن ( الفلسطيني الجديد) لا شأن له بالاحتلال وتوغلاته؛ لأن مهمته محصورة في قمع حماس والمعارضة الفلسطينية، فهو أداة صهيونية بالوكالة أو الشراكة؟!.

     وهل كان للشعب والمقاومة الميدانية أن تَصُدَّ الهجمة البربرية، وتفشل أهداف العدوان، وتَحْمِلَ الصهاينة على إيقاف الإجرام من طرفٍ واحدٍ، وأن يكون للمقاومة الضربة الأخيرة، لو كانت القيادة غائبةً أو هاربة؟، أم أن محمود عباس يريد للقيادة أن يتركوا حِذْرَهم، وأن يهملوا أسباب السلامة، حتى يتمكن اليهود من حصدهم، ويأتي هو وأزلامه على ظهور الدبابات، ويكملوا مهمة الاحتلال!!.

     إن سورة الأحزاب قد تحدثت عن دور المنافقين في غزوة الخندق، وقد أطالت التفصيل في مواقفهم وأقوالهم، فقد ثَبَّطوا المؤمنين عن القتال، وقالوا: يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، وكان فريق منهم قد انتحل أعذاراً كاذبة؛ كقولهم: إن بيوتنا عورة؛ أيْ مكشوفة للعدو، وقد استأذنوا للرجوع لحراستها، ولكن الله جل جلاله  نفى أن تكون عورة، وأخبر أنهم إنْ يريدون إلا فراراً.

     ثم ذكر أنهم – فوق تعويقهم بعض الناس عن المشاركة في الخروج – فقد دَعَوْا إخوانهم الموجودين عند الخندق أن هَلُمَّ إلينا؛ بُخْلاًً منهم بأية معونةٍ، ولو كانت تكثير السواد،مع أنهم كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً.

     وقد أضفى عليهم إلى جانب الشُّحِّ بالخير رذيلةً أخرى، وهي غاية الجبن والخوف، فما كاد ثلاثة من فرسان الأحزاب يقتحمون الخندق، ويظهر احتمال فتح ثغرة فيه، حتى رأيت أولئك المنافقين تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، فهو يرى الملائكة التي تحيط به لقبض روحه، وقد جعل يقلب بصره فيهم، ويلاحق حركتهم رعباً وارتعاداً، حتى إذا تمكن بعض الصحابة من قتلهم، وحراسة تلك الخاصرة في الخندق، جعل المنافقون يسلقونكم بألسنةٍ حِدادٍ، كأنها السكاكين التي شُحِذَتْ لِتَوِّها، ويقولون: ألم نقل لكم: إنه لا قِبَلَ لكم بالأحزاب، وكان الأوْلى أن تصانعوهم أو تصالحوهم؛ لتسلموا من القتل، وتَتَّقوا الهجوم، بالإضافة إلى لَمْزِ كثيرٍ من التصرفات، واختلاق الأكاذيب.

     أما آية المقال فقد جاءت بعد ذلك لتكشف عن الخوف المستولي على المنافقين، فقد وَلَّى الأحزاب الأدبار، وأرسل عليهم مولانا عز وجل ريحاً وجنوداً لم تروها، ومع ذلك فلا زال المنافقون يعتقدون أن الأحزاب لم يذهبوا، وأنهم بذلك يَتَحَرَّفون للقتال، وهذا يكشف عن رغبة المنافقين في استمرار الحرب إلى نهايتها؛ حتى تحقق أهدافها المُبَيَّتة لها؛ تماماً كما طالب عباسٌ وزمرته الصهاينة باستمرار الرصاص المصبوب حتى يكسروا شوكة المقاومة، ويطيحوا بالحكومة المحسوبة على حركة حماس في غزة، حتى لا تدفن آمالهم في العودة إليها مع إعلان الصهاينة العجز والهزيمة.

     ثم عطف بالإخبار عن أولئك المنافقين أنهم لو علموا بإتيان الأحزاب من جديد؛ فلسوف يهربون إلى البوادي والأعراب، ويواصلون السؤال عن أبنائكم للتشفي والتجسس، أما الأول فلأنهم إنْ تصبْكم حسنةٌ تَسُؤْهُم، وإن تصبكم سيئةٌ يفرحوا بها، ويقولوا: قد أخذنا أمرنا من قبلُ، ويتولوا وهم فرحون، وأما التجسس فلأن الذين قالوا: آمنا بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم، سَمَّاعون للكذب سَمَّاعون لقوم آخرين، أيْ من أجل نقل أسراركم وأنبائكم لقوم آخرين، هم أعداؤكم اليهود.

     إن هذا ما حدث بالفعل يوم قضينا على الفلتان في قطاع غزة، فإن أولئك المتشدقين بالوطنية قد هربوا إلى الأعراب في سيناء والعريش، بينما أَذِنَ الصهاينة لأكابر مجرميها أن يعبروا إلى رام الله، ويعيشوا محتقرين هناك، حتى من إخوانهم في السلطة، ولا زال الفريقان يسألون عن أنبائكم، فالمقيمون في العريش رضوا بأن يكونوا خَدَماً للمخابرات المصرية التي يهمها أن تحصي على أهل القطاع أنفاسهم، وأما الأَذِلّاءُ في الضفة فقد تواصلوا مع أيتام السلطة في القطاع قبل الحرب الأخيرة وبعدها؛ لرصد بنكٍ للأهداف يقصفه الصهاينة؛ لعلهم بذلك يقضون على الحكومة، ويُضَعْضِعون المقاومة الإسلامية.

     إن ما تحدث به محمود عباس من الإفك إن هو إلا إسقاطُ ما بنفسه من الجُبن والخَوَر على قادة حماس؛ ظناً منه أنه بذلك يؤلب المنكوبين والمتضررين من الحرب على الحركة، ولكن الناس يعلمون من الذي صَدَّ العدوان بصمودهم معه، ومن الذي تعاون مع الاحتلال في العدوان عليهم إلى أبعد الحدود.

    

     والله من ورائهم محيط ؟

 

البث المباشر