مقال| ونيسلاند.. حين تتحدث الأمم المتحدة بلسان (إسرائيل)!

الرسالة نت

بقلم: رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية وعضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إحسان عطايا

هل يتعرض المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط لضغوط صهيونية بحكم إقامته في القدس، أم أنه يقدم خدمة مجانية لكيان الاحتلال؟!

سؤال يُطرح في الأوساط السياسية بعد كل تصريح له، أو تقرير يرفعه إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، أو إحاطة يقدمها إلى مجلس الأمن، أو...

من يقرأ الإحاطة التي قدمها السيد تور وينسلاند لمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط قبل يومين (22 آب 2024) بتمعن، يلاحظ أنه قد انتقى في كتابتها عبارات تجنب فيها استخدام أية كلمة من شأنها أن تغضب قادة "إسرائيل"! بل تبنى في بعض عباراته وجهة نظر المحتل المتوحش، وكأنه يسعى لاسترضائه!

وحتى لا نتهم بالتجني على موظف رفيع في الأمم المتحدة، أو بالتهجم على الأمم المتحدة ذاتها التي لا يحترمها قادة العدو الصهيوني ويستهزئون بقراراتها، سوف أقدم الأدلة الدامغة على ما ذكرته آنفًا، من الكلام الوارد في الإحاطة نفسها. ومن أبرزها:

أولاً: لم يستخدم السيد تور في إحاطته كلمة "الإرهاب" إلا مرتين؛ الأولى ليتهم بها المقاومة الفلسطينية التي تسعى إلى تحرير أرضها المحتلة، حيث قال: "... الأعمال الإرهابية المروعة التي ارتكبتها حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023..."."the horrific acts of terror perpetrated by Hamas and other Palestinian armed groups on 7 October 2023".

أما حرب الإبادة الجماعية، والمجازر الوحشية، والتدمير الهمجي المتعمد في غزة، (أكثر من أربعين ألف شهيد، وما يقرب من مائة ألف جريح، ناهيك عن آلاف الشهداء الذين ما زالوا تحت الأنقاض، وعشرات آلاف الأسرى والمعتقلين وتصفية أعداد منهم بعد اعتقالهم، وتدمير معظم غزة...)، فيطلق عليها كلمة "الحوادث"! حيث يقول: "في غزة، تسهم الحوادث التي تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، والغارات الجوية الإسرائيلية على المدارس والمساجد التي تؤوي النازحين، والتدمير العشوائي للبنية التحتية المدنية، في زيادة المعاناة والعنف"."In Gaza, incidents of mass civilian casualties, airstrikes by Israel on schools and mosques sheltering the displaced, and the wanton destruction of civilian infrastructure are fueling suffering and violence".

والمرة الثانية التي استخدم فيها كلمة "الإرهاب" جاءت في سياق التلميح إلى المقاومة الفلسطينية، وربطها بكلمة "العنف" التي وردت بشكل خجول تلميحًا إلى "إسرائيل"، فاعتبر أن وقف العنف [الإسرائيلي] كفيل بنزع مبررات الإرهاب [الفلسطيني]، حيث قال: "إذا كنا نريد تجنب تصعيد آخر متسارع، يجب أن تنتهي أعمال العنف - لا يوجد مبرر لأعمال الإرهاب...". "if we are to prevent yet another spiraling escalation, the violence must end – there are no justifications for acts of terror".

ثانيًا: في سياق حديثه عن الضفة، يسمي السيد تور اقتحامات جيش العدو المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية المحتلة، وقتل مئات الفلسطينيين واعتقال الآلاف منهم في الأشهر العشرة الأخيرة، وهدم البيوت المتواصل، "عمليات أمنية إسرائيلية". ويدعو إلى "تقليص العنف" الإسرائيلي، وليس إلى وقفه أو إنهائه، في قوله: "يجب تقليص العنف في الضفة الغربية المحتلة بشكل كبير، بما في ذلك العنف الذي يحدث في سياق العمليات الأمنية الإسرائيلية الموسعة". "Violence in the occupied West Bank needs to be significantly reduced, including violence taking place in the context of scaled-up Israeli security operations".

ثالثًا: قدم السيد تور تبريرًا لجيش العدو بقصف المدارس ومراكز الإيواء الأخرى، وارتكاب المجازر، ولا سيما المجزرة المروعة جراء قصفه مدرسة "التابعين" شرق غزة، حيث قال: "تشير التقارير إلى أن المنشآت المدنية، بما في ذلك البنية التحتية ومقرات الأمم المتحدة، تُستخدم أيضًا كغطاء للمقاتلين والأهداف العسكرية، مما يعرض حياة المدنيين في المناطق المحيطة بها للخطر". "Civilian objects, including infrastructure, and UN premises, are also reportedly being used to shield fighters and military objectives, endangering the lives of civilians around them".

رابعًا: يتغاضى السيد تور عن حق الشعوب بالنضال والمقاومة، من أجل التحرر من الاحتلال، استنادًا إلى عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم حركات التحرر الوطني في نضالها من أجل الاستقلال وتقرير المصير، بما في ذلك الكفاح المسلح. ويوحي خلال كلامه، بما يناقض مضامين هذه القرارات الأممية، بإعطاء الشرعية لقوات الاحتلال، ونزعها من الشعب الفلسطيني.
فعندما يتحدث عن جيش الاحتلال يقول: "تواصل القوات الأمنية الإسرائيلية تنفيذ عمليات واسعة النطاق في المنطقة "أ"، بما في ذلك استهداف حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وجماعات مسلحة أخرى في مخيمات اللاجئين المزدحمة... غالبًا ما تؤدي هذه العمليات إلى تبادل لإطلاق

النار مع هذه الجماعات، بالإضافة إلى قتل أو إصابة المارة". "Israeli security forces continue to carry out large-scale operations in Area A, including targeting Hamas, Palestinian Islamic Jihad and other armed groups in densely populated refugee camps... These operations often result in lethal exchanges with these groups in addition to the killing or injury of bystanders".

بينما يقول عن مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة: "استمرت الهجمات القاتلة التي يشنها المسلحون الفلسطينيون على الإسرائيليين في الضفة الغربية وإسرائيل...". "Fatal attacks by Palestinian militants on Israelis in the West Bank and Israel have continued…".

خامسًا: عدوان المستوطنين الصهاينة ووحشتيهم خلال اقتحامهم المدن والقرى والأحياء الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، بنظر السيد تور، هو مجرد اعتداء عنيف للمستوطنين لا يعدو كونه جريمة (جناية) سبب تكرارها عدم المحاسبة القانونية لمرتكبيها. حيث يقول: "الاعتداء العنيف للمستوطنين الإسرائيليين على قرية جيت الفلسطينية بالقرب من نابلس، والذي أسفر عن مقتل فلسطيني واحد وإصابة آخرين بجروح خطيرة في 15 أغسطس، كان مثالًا آخر على العواقب العنيفة لتوسع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وغياب المساءلة المستمر عن مثل هذه الجرائم." "The Israeli settler rampage in the Palestinian village of Jit near Nablus that killed one Palestinian and critically injured others on 15 August was yet another illustration of the violent consequences of settlement expansion in the occupied West Bank and the persistent lack of accountability for such crimes".

سادسًا: لم يوفق السيد تور في مقارنته بين تهديد المقاومة من جهة، واقتحامات المسجد الأقصى وباحاته من جهة أخرى، فأوحى إلى أن التهديد هو خطاب تحريضي، والاقتحامات أعمال استفزازية. حيث قال: "الخطاب التحريضي والأعمال الاستفزازية تزيد من تأجيج الوضع. في الأيام الأخيرة، رأينا حماس تهدد بإطلاق حملة جديدة من التفجيرات الانتحارية. كما رأينا وزيرين إسرائيليين، إلى جانب مئات الإسرائيليين، يزورون الساحة المقدسة في العيد اليهودي...". "Inflammatory rhetoric and provocative acts are further enflaming the situation. In recent days we have seen Hamas threaten to launch a new campaign of suicide bombings. We have also seen two Israeli ministers, alongside hundreds of Israelis, visit the holy esplanade on the Jewish holiday...".

سابعًا: لقد ساوى السيد تور بين القاتل والضحية في مقارنته بين الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، وكيان الاحتلال القائم على القتل والمجازر، عندما قال: "من الضروري أن ننشئ إطارًا سياسيًا شاملاً مقبولاً من السكان الفلسطينيين، ويعالج تطلعاتهم ومظالمهم المشروعة، وفي الوقت نفسه يعالج المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل". "It is imperative that we establish a comprehensive political framework that is accepted by the Palestinian population and addresses their legitimate aspirations and grievances, while also addressing Israel’s legitimate security concerns".

ثامنًا: عدم ذكر السيد تور في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن انتهاكات جيش العدو الواضحة، واستهداف مباني الأونروا ومؤسساتها، وقصف مراكز الأمم المتحدة ومقراتها، واستخدامها مراكز عسكرية لقواته، وعدم تحميله قادة العدو وجيشه المسؤولية عن الإبادة الجماعية والمجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وغير ذلك من جرائم الحرب الموثقة... يظهر انحيازًا واضحًا إلى الجانب الإسرائيلي.

ومن منطلق الحرص على صورة الأمم المتحدة المشوهة بسبب الهيمنة الأميركية والبلطجة الصهيونية على مؤسساتها، والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني على مدار ثمانية عقود من الزمن أو يزيد، فإننا ندعو المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط السيد تور وينسلاند إلى الشفافية والانحياز إلى الحق والعدالة، وعدم اتهام الشعب الفلسطيني ومقاومته بالإرهاب، فهذا ظلم كبير، من مسؤول أممي رفيع المستوى، لأرواح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين الذين أريقت دماؤهم على أرض فلسطين المحتلة، ولا سيما في غزة والضفة، خلال هذه الحرب الوحشية غير المسبوقة.

البث المباشر