مع استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعبر "كرم أبو سالم" الوحيد الذي كان يعمل في قطاع غزة، وتدخل منه المساعدات وقليل من البضائع التجارية، تفاقمت معاناة الفلسطينيين في غزة، خاصة في شهر رمضان المبارك.
إذ يمنع الاحتلال دخول الغاز للمواطنين في قطاع غزة، في ظل النقص الحاد في الوقود وغاز الطهي، ما دفع العديد من معظم العائلات الفلسطينية إلى العودة لاستخدام الحطب كبديل لطهي الطعام.
كما أن الطهو بالحطب يتطلب وقتاً وجهداً أكبر، ما يزيد من الأعباء على النساء اللواتي يقمن بإعداد الطعام لعائلاتهن في ظل أجواء شهر رمضان التي تتطلب تحضير وجبات الإفطار والسحور.
لم يكن أمامنا سوى الحطب!
تجلس الحاجة أم خليل سمور أمام موقد الحطب بجوار خيمتها في منطقة "المشتل" غرب مدينة غزة، تنفث الأدخنة المتصاعدة من قطع الحطب، بينما تحاول جاهدة إعداد وجبة الإفطار لعائلتها في شهر رمضان.
وتقول الحاجة سمور، في حديث لـ"الرسالة": "لم نعد نجد أسطوانة غاز، وإن وجدت فإن سعر (الكيلو الواحد) مرتفع ولا نستطيع تحمل تكلفتها، ولم يعد أمامنا سوى العودة للحطب من جديد.. الأمر صعب للغاية، فإشعاله يأخذ وقتًا طويلًا، والدخان يملأ المكان، ويتعب صدورنا."
وتضيف بأسى: "نحن في شهر رمضان، والأمهات يحتجن لتحضير الطعام بسرعة قبل موعد الإفطار، لكن مع الحطب أصبح الأمر مرهقًا جدًا.. حتى الخبز لم نعد نستطيع خبزه كما في السابق، لأننا نحتاج وقتًا أطول".
وتتابع الحاجة سمور: "هذا ليس حالنا وحدنا، بل حال كل العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، الذين عادوا لجمع الحطب والكراتين لإشعال النيران لطهي الطعام إن توفر.. الاحتلال يحاصرنا من كل جهة، ويغلق المعابر ليزيد من معاناتنا، لا خيار لنا سوى الصبر والصمود للتصدي لمخططات الاحتلال الخبيثة".
في ظل أزمة الغاز، أصبح مشهد الدخان المتصاعد من البيوت في أحياء غزة مألوفًا، حيث اضطر الكثير من العائلات للجوء إلى طرق بدائية للطهو، في صورة تجسد حجم المعاناة اليومية لسكان القطاع، الذين يواجهون حرب إبادة وحصارًا خانقًا يزيد من صعوبة حياتهم، خاصة في شهر رمضان المبارك.
معاناة متفاقمةَ
في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، يقف الشاب عائد شتات أمام "بسطة" لشاب يعمل على تقطيع الحطب إلى أجزاء صغيرة وبيعها بـ"الكيلو" للمواطنين من أجل استخدامه في طهي الطعام بعد شح غاز الطهي على إثر اغلاق الاحتلال للمعابر في تنصل واضح من اتفاق وقف إطلاق النار.
الشاب شتات يتحدث لـ"الرسالة" قائلًا: "نفذ الغاز من منزلي قبل أسبوع حاولت شراء الغاز لكن كان بأسعار خيالية، فاضطررنا لشراء الحطب حتى نتمكن من طهي الطعام في شهر رمضان؛ لكن إشعال النار يحتاج وقتًا طويلًا، والدخان يملأ المكان، خاصة ونحن صائمون".
ويرى عائد أن الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم، ويكمل حديثة مضيفًا،: "إغلاق الاحتلال للمعابر شل حياتنا بالكامل، ليس فقط الغاز، بل كل شيء بات مفقودًا أو غاليًا نحن في شهر رمضان".
في ظل هذه الظروف الإنسانية القاسية بسبب أثار حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، يجد سكان غزة أنفسهم مجبرين على العودة لاستخدام وسائل بدائية للطهي، في مشهد يعكس حجم المأساة التي يعيشها القطاع، حيث أصبح الطهو بالحطب رمزًا لمعاناة الفلسطينيين في مواجهة الحصار المستمر.
الغاز يشل حياة الغزيين!
عبد الله أصرف وهو شاب يدير نقطة توزيع غاز في غزة، يعبر عن حجم الأزمة قائلاً: "منذ أسابيع لم تصلنا أي شحنات غاز، والناس تأتي يوميًا تسأل عن موعد توفره حسب الكشوفات، لكن لا نملك أي إجابة، لأن الاحتلال يمنع دخول الغاز، ونحن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الأزمة التي تمس كل بيت في غزة".
ويضيف الشاب أصرف في حديث لـ"الرسالة"،: "المواطنون يعانون وأصحاب العائلات يضطرون للبحث عن أي بديل، مثل الحطب أو الفحم، وهو أمر شاق للغاية خاصة في أن الفلسطينيين يطرون لإعداد السحور والإفطار على الحطب".
ويشير إلى أن تأثير الأزمة لا يقتصر فقط على الطهي، بل يشمل العديد من القطاعات، قائلاً: "المخابز تحتاج الغاز، والمطاعم تعتمد عليه.. هذا الحصار يزيد من الضغط على الجميع".
ويختم الشاب عبد الله أصرف حديثه قائلاً: "نحن نعيش في أزمة إنسانية حقيقية، وكلما طال الإغلاق زادت المعاناة، نأمل أن يتم فتح المعابر قريبًا حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، لأن الوضع الحالي لم يعد يُحتمل".
مع استمرار هذه الأزمة، يجد سكان غزة أنفسهم في مواجهة ظروف صعبة، حيث تحولت أبسط احتياجات الحياة اليومية إلى تحدٍ يومي بسبب سياسة الحصار والإغلاق التي تزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
ورغم مناشدات المؤسسات الإنسانية والحقوقية بضرورة السماح بإدخال الوقود والاحتياجات الأساسية، لا يزال الاحتلال يستخدم سياسة الإغلاق كأداة للضغط على السكان.