غزة- فادي الحسني- الرسالة نت:
في ضوء تأرجح أتفاق المصالحة الفلسطينية على حبال الاشتراطات، فإن ثمة سؤال يدور حول إمكانية أن يحل الاتفاق، أزمة الانقسام التي خلفت أثار اجتماعية قاسية سواء على صعيد الضحايا ونوايا الانتقام والحقوق المنتهكة، أو حتى على صعيد قطع الرواتب والإقصاء الوظيفي، والاعتقال السياسي.
ويجمع مختصون على أن تفعيل الشق القانوني والشرعي في إعطاء الحقوق، من شأنه أن يعزز فرص المصالحة الاجتماعية، وأن تسود أجواء المحبة.
ويؤكد المختصون أن الشعب الفلسطيني منشد للمصالحة، وأن التزامه بالمبادئ العامة التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، سيخرجه من دائرة الحزبية الضيفة، مطالبين إياه بضرورة استرجاع القيم الطيبة والأصيلة التي نشأ عليها.
استعد لدفعها
وعقب الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، في الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2007، دعا رئيس الوزراء إسماعيل هنية لتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية يشارك بها وجهاء القطاع ورجال الإصلاح "لتطييب الخواطر، ومنح الحقوق لأصحابها".
وعبر هنية عن استعداده لتقديم الدية لذوي ضحايا الأحداث الداخلية، مهما بلغت قيمتها.
إلا أنه لا تزال نفوس ذوي ضحايا الاقتتال تحمل الضغينة وترفض الصفح، فيما يعاني آخرون من تفكك علاقاتهم الاجتماعية والأسرية جراء التبعية الحزبية، فضلا عما سببه الانقسام من قطع للرواتب وفصل قسري من الوظائف، والاعتقال السياسي.
وسبق أن صدر في كل من قطاع غزة والضفة الغربية أحكام غيابية بحق أشخاص اتهموا بالمشاركة في الاقتتال الداخلي وإثارة الفوضى والقلاقل، ويظل البت في أحكامهم أمرا مجهولاً.
وحمل البند الرابع من الورقة المصرية للحوار الوطني، والمتعلق بالمصالحات الوطنية، آليات عدة لتنفيذ المصالحة بين الفلسطينيين المنقسمين.
وحسب ما تضمنته الورقة المصرية للحوار فإن من أبرز آليات ووسائل المصالحة الوطنية، هي عقد لقاءات جماهيرية موسعة تطال كل قطاعات المجتمع (مدارس، جامعات، تجمعات شعبية)، وتنظيم حملات إعلامية هدفها إشاعة مناخ المصالحة والتسامح في المجتمع، وإشراك كافة المنابر الإعلامية بما في ذلك المساجد من اجل تحقيق هذا الهدف.
ومن الناحية القانونية فإن لجنة المصالحة الوطنية المتوقع تشكيلها عقب التوقيع على اتفاق المصالحة، لابد أن تتقصى الحقائق خلا فترة الاقتتال وما بعد الانقسام، ويقول صلاح عبد العاطي مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة: "يجب تشكيل لجنة قانونية لبحث الأحكام الصادرة ولا بد من عقد محاكمات".
قانون عفو
وأضاف عبد العاطي "قد تصدر اللجنة قانون عفو عام على قاعدة حفظ حقوق الضحايا، يدمج ما بين متطلبات العدالة الجنائية ومتطلبات المصالحة الاجتماعية"، مشددا على ضرورة التأسيس لدولة حق وقانون.
وأكد على ضرورة أن يجرى فحص الأحكام القضائية الصادرة وإعادة تصويبها، مشيرا إلى أنه لابد من وجود مشروع قانون للمصالحة يتضمن تشكيل لجان تقصي حقائق والعمل على توفير أجواء جديدة تحل الضغائن.
وقال القانوني "شعبنا الفلسطيني منشد للمستقبل وللمصالحة".
ونص بند المصالحة على أن القوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمستقلين، ولجان الإصلاح، مطالبون بالمشاركة في خلق بيئة المصالحة والتسامح والصفح العام.
وطالب بالاستماع إلى جميع ضحايا العنف الداخلي والفلتان الأمني، وتحديد الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالمتضررين وذويهم، بجانب تحديد أسس تعويضهم، وبحث سبل تفعيل دور القانون في المحاسبة.
ونص أيضا على أهمية المتابعة مع الجهات المعنية ومطالبتها بالحزم في مواقفها لوقف عملية اخذ القانون باليد والمحاسبة الصارمة لمنع ذلك، والعمل على رفع الغطاء التنظيمي والعشائري والعائلي عن كل من يرتكب الاعتداءات على الناس وممتلكاتهم.
وتتآلف لجنة المصالحة الوطنية بحسب ما أوردته الورقة من رئيس يجري تقليده (بالتوافق)، ونائب الرئيس، وأمين السر، وأمين الصندوق، الأعضاء.
شخصية عاطفية
ويصف أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى د.درداح الشاعر الشخصية الفلسطينية بالعاطفية، التي باستطاعتها أن تنسى ما تحمله في داخلها من كره وبغضاء.
وقال الشاعر: "إذا ما شعرت الشخصية الفلسطينية بأن النوايا السياسية صادقة بالفعل فإنها تكون قادرة على نسيان ما ألم بها"، مؤكدا أنه لا مجال أمام الفلسطينيين سوى المصالحة والتوحد.
وأضاف "الحرب الأهلية في لبنان أكلت الأخضر واليابس وفي نهاية الأمر التئم اللبنانيون على طاولة واحدة(..) نحن لدينا الكثير ما يجمعنا، وأنا متأكد من أن هذا الشعب سيتعالى على جراحه في سبيل تحقيق الوحدة".
مراجعة
وشدد الشاعر على ضرورة أن تتضمن مقتضيات المصالحة الوطنية، الجانب القانوني، لافتا إلى الفلسطينيون محتاجون لمراجعة حقيقية للذات.
وقال: "يجب علينا استرجاع القيم الطيبة الأصيلة التي جمعتنا (..) نحن في حاجة لاسترجاع الأحلام التي نحلم بتحقيقها كالتحرر والاستقلال".
وتابع أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى، "نحن بحاجة للنظر لفلسطين القضية والتاريخ ونتعالى على آلامنا وجراحنا ورغباتنا من أجل تحقيق الوئام"، مؤكدا على أن الاتفاق السياسي سيكون مفتاح خير للشعب الفلسطيني المنقسم على نفسه.
والأصل أن الإنسان المسلم بفطرته "كالشاشة البيضاء" لا يستقر في قلبه الحقد ولا الضغينة ولا الحسد، ولهذا يقول أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية د.ماهر الحولي "إن النصوص القرانية والأحاديث حملت مبادئ أساسية لا بد من السير وفقها".
ودلل على قوله بشق من حديث شريف (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ).
وأكد أن صحة المصالحة الوطنية الحقيقية تقاس بمدى تطبيق الناس للمبادئ العامة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وبمدى تطبيقهم لها والمتمثلة في المحبة والمودة والأخوة والتكاثف وعدم التباغض والابتعاد عن الأحقاد.
وطالب الحولي بترجمة الآية الكريمة التي تطالب بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، حتى تسود المحبة والألفة بين الناس.
وقال: "إذا أراد الناس أن تسود المحبة بينهم، فعليهم الخروج من دائرة الحزبية الضيقة لينطلقوا إلى فضاء الإسلام الواسع"، داعيا لترسيخ المصالحة الوطنية عن طريق ترسيخ الأخلاق والآداب.
يخالف تعالم الإسلام
وعبر أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية عن استغرابه الشديد من عدم طرح بعض الناس السلام على بعضهم، لأنهم ينتمون إلى فصيل معين، معتبرا هذا الأمر بأنه "يخالف تعاليم الإسلام".
وبين الحولي أن الأساس في نجاح لجنة المصالحة الوطنية هو وجود القرار السياسي الحقيقي، مؤكدا أن ما أفشل جهود لجنة المصالحة التي شكلتها الحكومة في غزة في وقت سابق، هو عدم وجود قرار سياسي.
ولفت إلى أن الدماء التي سالت في قطاع غزة لم تذهب هدراً، قائلا: "الشريعة الإسلامية تكفلت بهذه الماء عن طريق الديات والكفالات(..) وهذا الأمر يضفي إرضاءً على النفوس".
ودعا الحولي أولياء الدم بتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والتعالي على الجراح، مطالبا الحكومة بتولي الأسر المكلومة.
وفي إطار ما أوردته ورقة "القاهرة" للحوار، فإنها طالبت باعتبار الأفراد الذين لحق بهم أذى بمختلف أنواعه أثناء مرحلة المواجهات الداخلية "ضحايا العنف"، وان تتحمل السلطة الوطنية مسؤولية معالجة قضاياهم، بمتابعة ومشاركة من لجنة المصالحة الوطنية، وينطبق على الجرحى ما ينطبق على الضحايا.
وتقول الورقة "بناء على ذلك فان الذين لحق بهم أذى بمختلف أنواعه بسبب أعمال جنائية فردية، يتحمل الجاني مسؤولية ذلك وتتخذ بحقه الإجراءات القضائية الملائمة، أما الذين لحق بهم أذى بمختلف أنواعه على خلفية الصراع السياسي، يتحمل التنظيم المتسبب بالأذى مسؤوليته، دون تحميل مسؤولية للأفراد، وتجري معالجة أثار ذلك بمشاركة وطنية من الجميع، وبما يحقق العدالة للمتضررين.
كما أن الورقة كفلت لكل مواطن- له حق ثابت أو منقول سلب منه- الحق بأن يتقدم إلى لجنة الشكاوى أو المظالم لإعادة حقوقه كاملة.