قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أين غزة من المشهد في القدس؟

أيمن دلول
أيمن دلول

أيمن تيسير دلول

زادت وتيرة الحديث هذه الأيام عن ضرورة تدخل غزة في المشهد الدائر بالقدس والضفة المحتلتين، والتدخل الـمُشار إليه هو بالحديد والنار، وفي قراءة هذه المطالبات ورفض البعض أو خشيته ينبغي التأكيد على التالي:

1- من يُطالب غزة بالتدخل لا يعدُ كونه مجرد جهة تتبع لفريق التنسيق الأمني ومطالباتها لا تتجاوز كونها محاولات حثيثة لحرف البوصلة عن الجرائم المترتبة على التنسيق والتعاون وحماية أمن المحتل.

2- قد يكون المطالبون بالتدخل يرغبون بذلك من باب أن غزة تمتلك إمكانية إرغام الاحتلال للتوقف عن عربدته بغض النظر عن قراءتهم للنتائج المتوقعة لتدخل غزة في هذه الحالة.

3- وقد يكون المطالبون غزة بالتدخل يعيشون حالة من الأمل والرغبة في تسريع تحقيق نبوءات يتحدث بها البعض هذه الأيام سواء في الساحة الفلسطينية أو حتى داخل الكيان الإسرائيلي ومسألة توقع زواله في العام الجاري 2022م.

بغض النظر عما سبق، فغزة اليوم في إصدار القرار لا تعتمد فقط النقاش على ساحة الفيس بوك وإن كانت لا تتجاهله، بل هناك معلومات وتقارير سرية وغيرها -لا يطّلع عليها الجمهور- تكون سبباً في ترجيح اتخاذ قرار دون غيره.

لكن بالمجمل، فالأحداث التي تجري في القدس والضفة حاضرة باستمرار على طاولة النقاش وبأدق التفاصيل، بل إنه في الوقت الراهن من يطالب غزة بعدم التدخل -ولا تستغربوا- هو القيادة الميدانية في الضفة والقدس وغيرها من مناطق فلسطين، فالأحداث هناك تجري وتسير كما يتمنى ويرغب الشارع الفلسطيني وقيادة العمل الميداني.

العمل الميداني في ساحات الضفة الغربية المحتلة والقدس وفلسطين المحتلة عام 48 معقداً للغاية ولا يشبه إلى حدٍ كبير الحالة التي تعيشها غزة أو وصلت إليها، بل إن الأدوات التي تستخدمها غزة ويمكنها من خلالها ردع الاحتلال الإسرائيلي وقيادته العسكرية والميدانية تختلف كثيراً عما باتت تمتلكه باقي ساحات العمل في فلسطين، فقد تابعنا قبل أيام كيف كان لشاب يحمل مسدساً -وليس يُشغِّلُ صاروخاً يمتلك قوات تدميرية هائلة- كيف كان له بالغ الأثر في إرباك منظومة أمن الاحتلال الإسرائيلي أكثر بكثير مما أحدثته جولات عسكرية في مواجهة اعتداءات الاحتلال، بل إن الضريبة التي دفعها الشارع الفلسطيني في مقابل عملية بمسدس أقل كثيراً من جولات حروب ومواجهات عسكرية لا تزال غزة تدفع ضريبتها حتى الآن.

لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تتجاهل قيادة غزة ما يجري في أولى القبلتين القدس المحتلة وباقي مناطق الضفة المحتلة، وأعتقد جازما أن قراراً بالانتقال من الوضع الطبيعي إلى الدرجة الحمراء أو حتى السوداء لا يستغرق وقتاً أكثر من شربة ماء، لكن العمل العسكرية لا يُدار بالعواطف بل بالمعلومات والاستخبارات وغيرها، ولا أكتم القارئ سراً أن قيادة غزة استفادت كثيراً من الحركة داخل الكيان الإسرائيلي من وحداته المختارة ونخبة نخبته وغيرها خلال سلسلة العمليات الأخيرة، وهي حركة ومشاهد ستبني عليها غرفة العمليات المشتركة الشيء الكثير كما فعلت في استخلاص العبر من معركة سيف القدس سابقا وما سبقها.

كجمهورٍ فلسطيني، ينبغي أن نُدرك بأن جولة المواجهة العسكرية ليست دوماً هي الحل وليست هي الـمُخلِص، بل وفي كثير من المرات كان يتم إرغام الاحتلال دون دماءٍ تُراق أو بيوتٍ تُهدم، فإن تمكنت قيادة المقاومة من حسم معركة وتحقيق مكاسب فيها بدون دماء أو بدماء أقل من مواجهة واسعة فذلك انتصار، وإن كانت القيادة تخوض معركة ترتكز على إدخال الضفة الغربية إلى حلبة مواجهة الاحتلال بعد سنواتٍ من محاولات وجهود طمس نفسها بفعل التعاون والتنسيق الأمني فهذا انتصار أكبر من رائع، فساحة الضفة الغربية في العقد الأول من الألفية الثانية فعلت ما لم تفعله غزة في حروبها الأربعة.

أخيراً، ينبغي أن نعمل جاهدين بأن تكون المواجهة المقبلة أشدُ ألماً على الاحتلال ونقوم من خلالها بتهشيم رأسه أكثر من الماضي، بل ويجب أن يكون من خلالها تحرير جزء من بلادنا المحتلة فلسطين وهذا أقل القليل، فإن لم يكن حصاد مواجهة مقبلة بهذا الشكل فلا أعتقد أن نتائجها ستُشكِلُ انتصاراً لنا بقدر ما ستكون نتائجها خيبةً نحن في غنى عنها.

البث المباشر