بلغت المواجهات بين جموع المصلين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال وقواته خاصة حافة الانفجار، بعد أن اقتحمت الأخيرة عليهم مسجدهم..
لكن الانفجار الكبير لم يقع، والسبب في ذلك يعود إلى كثافة الاتصالات السياسية والأمنية التي جرت، وتجري، خلف ستار كثيف من دخان القنابل الإسرائيلية، التي اختنق بها المصلون في باحات الأقصى ومصلياته.
اتصالات سياسية وأمنية، على أرفع مستوى، محورها رام الله – غزة – القدس – عمان – القاهرة – الدوحة وواشنطن من بعيد، وكيف لا؟ وهي التي بيدها من الأوراق، التي إن استخدمتها بجدية وحزم ستكفي لكبح عربدة المستوطنين و“الحريديم“ وأقصى اليمين المتطرف في إسرائيل..
جميع الأطراف المنخرطة في جهود ”التهدئة“ لها مصلحة فيها، ولكل فريق أسبابه.
حكومة بينيت بين نارين، فـ“نواتها الصلبة“ تنتمي من جهة للتيار القومي – الحريدي المتطرف، وتشاطره المرجعية العقائدية والسياسية ذاتها، لكنها من جهة ثانية ”بطة عرجاء“، لا أغلبية لها في الكنيست، وتشتمل على خليط غير متجانس من الشركاء و“الأخوة الأعداء“، المتربصين، شديدي الاستعداد للقفز من سفينتها الغارقة عند أول منعطف.
السلطة الفلسطينية تخشى ”الانفجار“ خشية إسرائيل منه، إن لم يكن أكثر، فليس من المستبعد أبداً أن تكون ضحيته الأولى، سيما في ظل استمرار حالة التآكل التي تنهشها، واتساع الفجوة بينها وبين شعبها، وحالة الشلل والشيخوخة التي باتت سمة ملازمة للنظام السياسي الفلسطيني..
أما حماس، فهي تريد تصعيداً لا يصل حافة الانفجار المفضي للانجرار إلى المعركة، التصعيد يعيد حماس إلى قلب الحراك السياسي والأمني، أما الانفجار فكلفه عالية، ولا ترغب حماس في دفعها ثانية، أقله الآن وفي المدى المنظور.
الأردن، لديه ما يكفيه من مشاكل ”الداخل“، في الاقتصاد والمال، كما في السياسة والإدارة، فضلاً عن الانهيارات المتلاحقة في جدران الثقة بين الحاكم والمحكوم والحكومة وشعبها.. آخر ما تحتاجه عمان شرارات تهب عليها من الأقصى فتشعل سهلها..
أما مصر فليست في حال أفضل من الأردن، وهي تعرف أن الانفجار سيأتي بقطاع غزة إلى أتون المواجهة، وسيفتح ذلك على أمن مصر ثغرة من خاصرته الرخوة، في الوقت الذي تنتعش فيه جهودها لجلب المساعدات والودائع والاستثمارات وأفواج السائحين والسائحات.
واشنطن من بعيد لا تريد لأي انفجار أن يصرف انتباهها عن ”حربها المقدسة“ ضد روسيا، في أوكرانيا وعليها.. حفظ التهدئة كان واحداً من الملفات التي حملها أنطوني بلينكن للمنطقة التي زارها مرتين بصفته الرسمية: الأولى للملمة ذيول الانفجار الأول في مايو الماضي، والثانية لمنع الانفجار الثاني في أبريل الحالي.
كان من نتائج هذا الحراك الدبلوماسي – الأمني النشط أن انتهجت إسرائيل سياسات ”أقل إجراماً“ ضد الفلسطينيين، قياساً بما حصل في مواجهات العام الفائت.. حكومة الاحتلال وأذرعها الأمنية والعسكرية تتمنّع عن الذهاب حتى نهاية الشوط في عمليات القمع الجماعية الدامية، وهي ترجئ اقتحامات واعتقالات ومصادرات لقادمات الأيام، وتسعى في ضبط إيقاع قطعان المتطرفين المدججين بالسلاح والكراهية، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
لكن الباب سيظل مفتوحاً أمام سيناريو الانفجار الكبير.. حكومة بينيت تتساوق نسبياً وبالحد الأدنى مع المسعى الدبلوماسي متعدد الأطراف، بيد أن اختبارها الحاسم إنما يتجلى في رغبتها، وقدرتها إن رغبت، على كبح جماح متطرفيها، الذين يتحفزون لمقارفة المزيد من الانتهاكات والتعديات، ولا يتوقفون عن ”تسمين“ خرافهم لتقديمها ”قرابين“ على جدران الصخرة المشرّفة في الحوض الشريف.
الأيام القليلة القادمة ستجيب عن سؤال من سيفوز في السباق المحتدم بين جهود التهدئة ونذر التصعيد والمواجهة، أما مصائر الانفجار الكبير فستتقرر في ضوء نتائج هذا السباق.