لقد كانت معركة السجيل بشكل أو بآخر، هي اللحظة الفارقة التي اوقفت سياسة الاغتيالات بغزة، وجعلت عملية الاغتيال تعني اعلان حرب، فالعدو ليس فقط أمام دراسة قرار اغتيال، وإنما هو مضطر لدراسة قرار الدخول في حرب تبدأ بالاغتيال ولا يعرف أين ستنتهي.
الحفاظ على القيادة ليست شيئا هامشيا، نحن لا نستيقظ كل يوم صباحا ونذهب إلى السوق نشتري قيادة جديدة ثم نعود، حركات كبيرة في التاريخ القديم والمعاصر ضاعت وتشرذمت عندما غابت قيادتها، وليس هذا هو الأمر الأخطر في عملية الاغتيال لو حصلت لا قدر الله، الأمر الأهم من الحفاظ على شخص القائد الحفاظ على قواعد الاشتباك المفروضة عبر الجولات والمعارك السابقة، التي تمنح المقاومة فترة كافية من السلم لمراكمة القوة وتعزيز قدراتها الاستراتيجية، لتوسيع دائرة التأثير في المعارك الكبرى كما حدث في معركة سيف القدس، حيث لم يعد سلاحنا لمتطلبات المعيشة بغزة، وإنما استجابة للثوابت الوطنية الكبرى، وعلى رأسها القدس، وأحد أهم قواعد الاشتباك المثبتة والمفروضة سابقا هي جعل الاغتيالات خط أحمر ممنوع انتهاكه.
خلال معركة سيف القدس وبعدها، كانت احدى اهم استخلاصات العبر، أن تكون القدس والقضايا الوطنية الكبرى هي جوهر الصراع الاساسي وصاعق التفجير لأي معركة قادمة، وذلك لتحقيق هدفين، أولاهما أن هذا يجعل المعركة محل اجماع على الصعيد الوطني بل وعلى الصعيد العربي والاسلامي، والثاني استخدام السلاح والقوة المتراكمة في صالح القضايا الوطنية الكبرى والمصيرية، وتحقيق تقدم فيها وتثبيت قواعد اشتباك جديدة كما حصل في منع مسيرة الأعلام أو الحد من توسعها وتغولها، وهذا يعني أننا بتنا نفقد سلاح الحرب كثمن لقرار الاغتيال السياسي او العسكري، مما يجعل القيادات غير محصنة من الاغتيال بالشكل الذي كانت عليه فيما سبق.
إن التهديدات باغتيال السنوار، هي تهديدات يجب حملها على محمل الجد، وهي النيشان الوحيد الذي يمكن ان يحمله بينيت كرصيد سياسي لبقائه في حلبة التنافس السياسي في دولة العدو، وليس الحل لمواجهة قرار الاغتيال هو اخذ تدابير امنية من قبل السنوار او غيره من قيادة المقاومة لتجنب الاغتيال، وإنما تعزيز قواعد الاشتباك التي ترفع من ثمن عملية الاغتيال مع الحفاظ على فكرة تسخير السلاح للقضايا الوطنية الكبرى، ويتم ذلك عبر اتجاهين:
الاتجاه الأول وهو الاتجاه الشعبي، من خلال حملة جماهيرية واعلامية تفوض المقاومة بشن حرب شرسة وقاسية، ردا على قيام العدو باغتيال قيادة المقاومة، بحيث نمنح اجماعا وطنيا مستبقا للحرب التي تثبت قاعدة الاشتباك السابقة القاضية بإنهاء ووقف سياسة الاغتيالات. وهذا سيعطي المقاومة اريحية في التصرف مما يزيد من تعقيد قرار الاغتيال لدى العدو، وليكن عنوان الحملة الشعبية والجماهيرية "اغتيال السنوار اعلان حرب".
الاتجاه الثاني وهو الاتجاه الرسمي، فالمقاومة بحاجة الى تثبيت قاعدة أخرى وهي ان سلاحها وإدخاله في معركة كبيرة سيكون استجابة لقضايا مصيرية كالقدس او الاسرى، وهنا على المقاومة اصدار تصريح رسمي، أن ردنا على المساس بالقيادة لن يكون انتقاميا، وإنما بفرض قواعد جديدة على العدو تتعلق بالقدس أو الاستيطان أو الأسرى، أو اي موضوع مركزي تجده المقاومة مناسبا لخوض حرب بشأنه وتثبيته كقاعدة اشتباك جديدة، وستدخل تل ابيب في حرب استنزاف طويلة إلى أن يتم تنفيذ شروط المقاومة بالخصوص.
وعلى سبيل المثال، في حال تجاوز العدو الخطوط الحمراء وقام باغتيال قائد بحجم ابو ابراهيم او ابو خالد او غيرهما، فإن المقاومة تمنح العدو فرصة 48 ساعة للإفراج عن كافة الأسيرات والقصر في سجون العدو، وإلا فإن تل أبيب ستكون في مرمى نيران المقاومة على مدار ايام أو شهور، إلى حين تحقيق شروط المقاومة، وهكذا نحافظ على كلتا قاعدتي الاشتباك، الأولى: اغتيال القيادة ثمنه كبير ويعني الحرب والثانية: سلاحنا في الحرب سيكون للقضايا الكبرى وفرض قواعد اشتباك جديدة.