يعلم الجميع أن المقاومة الفلسطينية كان بمقدورها أن تمطر (إسرائيل) بالصواريخ أمس، وأن تفسد احتفالات مسيرة الأعلام كما العام الماضي، لكنها لم تفعل ذلك، الأمر الذي أثار تساؤلات في رأس العدو قبل الصديق: متى وأين وكيف سترد المقاومة؟
بعد أن هدأت شوارع القدس وأزقتها، جاء الرد من رئيس حركة حماس مفاده: "ما جرى بالقدس لن يغتفر"، ليؤكد أن المقاومة سترد، لكن ليس في اللحظة التي يستعد فيها الاحتلال لهذا الرد، ولنوعه، وشكله، بل تركت الأمر مفتوحًا، لينشغل الاحتلال بالتفكير، وهي بالتجهيز لتلك اللحظة.
لا شك أن المقاومة الفلسطينية التي أرهقتها اتصالات الوسطاء طيلة الأسبوع الأخير، وطلبهم المُلح الذي أساسه الاحتلال، بألا تضرب القدس بالصواريخ كما جرى في مايو 2021، لعلها استجابت لنداء العقلانية والحكمة فيها، لكنها أكدت حقها بالرد في الوقت الذي تتيقن فيه من إيذاء الاحتلال.
وقال المستشار الإعلامي لهنية، طاهر النونو، إن بعض الأطراف بدأت الاتصال برئيس الحركة من أجل العمل على احتواء الموقف، وعدم تدهور الأمور أكثر مما جرى، حسب قولهم.
وقال النونو: "غير أن رئيس الحركة أكد لهذه الأطراف أن ما جرى في القدس والمسجد الأقصى لن يغتفر، وأن المقاومة ستواصل طريقها حتى اجتثاث الاحتلال، كما رفض رئيس الحركة أن يعطي تعهدًا أو ضمانات لأي طرف لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع".
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجنى إن رد المقاومة كان منتظراً من الجميع، إلا أنه اتضح اعتمادها على منهجية ليس من الضروري أن تنجح في كل مرة وهي تقوم على الردع بالتلويح بالسلاح دون استخدامه وتحقيق نتائج بأقل تكلفة كما حصل في استخدام الأدوات الخشنة لمسيرات العودة.
وأضاف الدجني في اتصال هاتفي مع "الرسالة نت" أن أبرز العوامل التي دفعت المقاومة إلى أن تؤجل قرار المواجهة مع الاحتلال متعلق بدور الوسطاء حيث أن كم الوساطات والاتصالات والطلب من المقاومة هائل جدا سواء كان ذلك من الأمم المتحدة أو القاهرة أو الدوحة وأطراف أخرى.
وأوضح أن المصلحة الوطنية العامة تستلزم تقدير المقاومة للموقف ضمن إطار تحليل البيئة الاستراتيجية في غزة، فلو اندلعت مواجهات كبيرة في الضفة والقدس لكان من المؤكد أن موقف المقاومة مختلف عما رأيناه، إلا أن محدودية المواجهات دفع المقاومة للتريث حتى لا تنحرف البوصلة، وتتجه نحو غزة فقط، خصوصاً أنه لم يمر سوى عام واحد على معركة سيف القدس.
وأشار إلى أن المقاومة تتفهم الظروف المحيطة بها، على صعيد الوضع الاقتصادي بغزة، وتأخر عملية إعادة الإعمار، والحرص على بقاء الحاضنة الشعبية متينة للمراحل المقبلة التي ستكون أكثر صعوبة.
وبيّن أن العامل الثاني متعلق بالعمليات في ظل مناورة عسكرية هي الأكبر في تاريخ (إسرائيل) والجهوزية العالية لدى الاحتلال لمواجهة المقاومة، وليس من الحكمة من الناحية العسكرية أن تتخذ قرار مواجهة في ساعة محددة في ظل جهوزية كافة الأسلحة لدى العدو منذ 3 أسابيع، فلا ينبغي أن نعطي الاحتلال فرصة لتحديد ساعة الصفر.
وأكد أن مسيرة الأعلام يجب أن تواجه بالمقاومة الشعبية الشاملة في كل نقاط التماس في الضفة والقدس والداخل، وشعبنا لم يعد ينتظر معركة تقليدية تنتهي بعد أيام وعودة للهدوء الخادع، بلا نتائج ملموسة، بل يتوق إلى مواجهة عسكرية تعمل على اجتثاث الاحتلال.
وأوضح أن المقاومة عضت كثيراً على الجراح، كي لا تتعاطى مع رد الفعل أو ضغط الرأي العام، وهذا يعبر عن نضج سياسي وأننا أمام مقاومة راشدة وناضجة ويمكنها تقدير الموقف بما فيه مصلحة شعبنا ومقاومته، وباتت تعمل وفق ترتيب الأولويات والأدوات والأوراق بما يحقق النتائج المرجوة في الوقت المناسب.
أما الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف فقال: "المقاومة لم تعد عملا عشوائيا، ولا عاطفيا، المقاومة عمل مدروس ومخطط له، المقاومة تدرس ما لديها وما لدى العدو وتراقب وتعد الخطط وفق معلومات تصلها وتجمعها ومن ثم تحدد الزمن المناسب وهذا الأمر كان واضحا يوم أمس".
وأضاف الصواف في اتصال هاتفي مع "الرسالة نت": "رغم المشاهد المؤلمة والاستفزازات الكبيرة والجهوزية العالية للمقاومة في قطاع غزة، إلا أن حكمة المقاومة وقراءتها للمشهد كاملاً فوت فرصة كان ينتظرها الاحتلال مع بدء مناورته التي أطلق عليها عربات النار، فكل المعلومات والتقرير التي جمعتها المقاومة كانت حاضرة. وتشير إلى ما كان ينتظره الاحتلال".
وختم بقوله: "لذلك فوتت المقاومة على الاحتلال ما كان يحضره لغزة ومقاومتها وأفشلت خططه كما أفشلت في السابق خطة مترو الأنفاق التي كان يتغنى بها الاحتلال، المعركة لم تنته بعد، والمشاهد حاضرة وكذلك الرد حاضراً والمسألة مسألة وقت".