تناقلت كثير من الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي خبر وفاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بينما نفته حركة فتح، وقد خرج الرئيس الفلسطيني بالأمس في حديث صوتي عبر هاتف في مؤتمر "وثائق الملكيات والوضع التاريخي في القدس"، وألقى كلمة على مدار خمس دقائق حول أهمية القدس، ولكن صوته لم يكن كافيا على ما يبدو، فظلت الصفحات تناقش مصداقية الصوت والنقل وما إذا كان قديماً ومسجلاً قبل انتشار خبر وعكته الصحية.
وبعدها بساعة بث تلفزيون فلسطين كلمة الرئيس مع صورته التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "وفا" وأمامه شاشة التلفزيون التي تبث المؤتمر وإلى جانبه مستشاره للشؤون الدينية والشخصية المقرب منه محمود الهباش.
وقد دخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس المستشفى الاستشاري العربي في رام الله، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة له أُعلن عن خروجه من المستشفى بحسب تقدير الأطباء بعد ظهر الأحد الماضي ثم تأجل الخروج بشكل طارئ، دون أن يعلن المستشفى عن الأسباب.
هذا التأجيل هو ما جعل العديد من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون خبر وفاته، وسط تكتم المسؤولين عن إبداء رأي، ما جعل طرح تساؤل حول إخفاء الخبر لا زال قائما حتى اليوم، رغم خروجه بالأمس بالصوت والصورة.
قد يكون السؤال الذي يثير خوف المجتمع الفلسطيني، هو ما الذي سيكون ما بعد عباس؟! ومن الخليفة وكيف سيتم اختياره ؟!
الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن يرى أن وجود هذه المساحة من التضارب والتباين بين من يتمنى أن يزول عباس وبين من يتمنى أن يبقى حياً، يدل على أن هناك مشكلة متعلقة بوجود عباس على رأس الهرم السياسي للسلطة، بمعنى أن هناك مساحة من الرفض له لدرجة أن يتمنى فريق موته!.
ويطرح محيسن التساؤل السابق: لماذا تكتمت السلطة على وضع الرئيس عباس الصحي؟! مجيباً: "إن من يتحكم بالصورة ليس السلطة ولا رجالها وإنما أطراف أخرى على رأسها (إسرائيل) التي يجب أن تتدبر ملء الفراغ وهي الطرف الرئيسي في بناء المنظومة القيادية للسلطة وبناء عليه سيكون لها يد في اختيار خليفة عباس".
التباينات في المواقف والصراع القيادي داخل منظومة التنظيم داخل فتح والسلوك السياسي، كل ذلك أنتج صراعات بين قيادات الأقاليم في اللجنة المركزية والمناطق، كما أنتجت منظومة حكم تشبه " الشلليشة"، على حد تعبير محيسن.
وأضاف: "كل شخص بمستوى قائد له عدد من الأتباع والمريدين والمقربين، وهذه التكتلات هي عائق في تنظيم حركة فتح، واختيار الرئيس لاحقاً".
هذه الانشقاقات التي حدثت في السنوات الأخيرة داخل فتح أحدثت نزيفا داخل السلطة والتنظيم، ومحمود عباس لم يكن محل إجماع التنظيم، وغيابه يكون مدعاة لانشقاقات جذرية داخل فتح وخاصة في الضفة، وستكون الانشقاقات محل اهتمام الاحتلال الذي سيسعى إلى إعادة تنظيم الداخل الفتحاوي، كما يرى محيسن.
ويلفت محيسن إلى أن الأمر قد يكون مرهوناً بقدرة (إسرائيل) على ملء الفراغ بشكل سريع ،وإسكات كل الشخصيات التي تطمع في قيادة السلطة، ويلفت إلى أننا إذا نظرنا للشخصيات المرشحة فلن نجد شخصا مناسبا، فلا تضحيات ولا كاريزما ولا سيرة طويلة ليستحق أن يكون أحدهم قائدا للسلطة، والتنظيم يعرف ذلك تماما.
الصحافي والمحلل السياسي أحمد الكومي يرى أن الصورة ليست ضبابية بعد عباس، فهناك تأهيل واضح لحسين الشيخ، وهناك خطوات عملية لتأهيله، دون أن يكون لها أي ضوابط وطنية أو قانونية.
ويطرح الكومي تساؤلاً مهماً حول رد الفصائل: هل ستقبل أن يفرض عليها شخص بعينه؟!
يلفت الكومي إلى أن نهاية عباس هي نهاية لحقبة صعبة في تاريخ شعبنا، شهدت كثيرا من المحطات والأزمات السياسية التي كان سببها شخص الرئيس نفسه، الذي عقّد المشهد السياسي بدرجة كبيرة جدا على كثير من الأصعدة وليس آخرها نضال الشعب الفلسطيني.
ما بعد أبو مازن هو عنوان كبير، كما يقول الكومي، الذي يحمل الفصائل الوطنية مسؤولية اختيار الوريث الشرعي حتى لا تفرض عليها (إسرائيل) وريثا غير شرعي.
وختم الكومي بالقول إن الأزمة أكبر في ظل صراع داخل حركة فتح، وعلى الفصائل ألا تقبل بأن يفرض عليها الرئيس لأن الشعب هو الضحية ولن يقف موقف المتفرج من هذا الصراع، أو هكذا ينبغي أن يكون.