منذ نهاية القرن التاسع عشر، تقف عمارة هندية التاريخية بداية شارع نابلس لتطل على باب العامود والمسجد الأقصى، بنمطها الأوروبي المدمج بالشرقي، وتتكون من أربعة طوابق تستخدم كحوانيت ومكاتب تحرس المكان وترصد كل الأحداث الواقعة في باحات الأقصى.
على مدخل البناية علق صاحبها إعلانا لتأجير مكتب، لم يتردد المقدسي أسامة برهم – 45 عاما- في استئجاره، فهو يمتلك شركة للتأمينات، ويلقب بحارس المدينة لتواجده اليومي داخل البلدة القديمة وباحات المسجد الأقصى ومدرجات باب العامود.
صاحب الحكاية التي يسردها موقع "الرسالة نت"، ليس عاديا فهو يمتلك "شباك الجنة" كما يصفه، فمكتبه الذي يمتلكه منذ سنوات قليلة يطلع على مدخل باب العامود وقبة الصخرة الذهبية، يرصد كل زائر جديد للأقصى حين يركض فرحاً نحو باب العامود لدخول المسجد.
يصف برهم صاحب الشباك المميز بأنه طفل أربعيني يجلس بجانب شباك يطل على أبهى المساجد العتيقة تماما كما كان صغيرا حين يجلس في فصله بجانب شباك الساحة ليراقب كل حركة تحدث في الخارج.
يقول: "هنا أقف يوميا على الشباك لأحمد الله أنه اصطفاني لأتواجد هنا (..) محظوظ جدا لاستئجاري هذا المكتب"، مضيفا: لكني أراقب الموت أيضا حين يقنص جندي "إسرائيلي" شابا فلسطينيا بكل عنصرية.
ويمضي في قوله: "على قدر جمال المكان المطل على البلدة القديمة والأقصى، هناك وجه آخر حين تكون شاهدا على وجع المدينة وترى بأم عينك قتل الشبان على يد الاحتلال، وتشهد على مسيرة الأعلام والكثير من الاعتداءات "الإسرائيلية".
ويذكر أن كل من يأتي للقدس يطرق باب مكتبه وحتى أبناء المدينة لا بد من التقاط صورة لهم بجانب الشباك المطل على قبة الصخرة، ودوما يشعرون وكأنها المرة الأولى حينما يرون الأقصى، معلقا: حتى زبائن المكتب يقضون الوقت في التقاط الصور التذكارية أكثر من الحديث عن العمل.
"القدس كرمتني بتواجدي فيها، لأكون جار أبوابها وأطل على بلدتها القديمة (..) دوما أتساءل "كيف أنا هون؟"، ليجيب بنفسه: هذا وفاء القدس، وجودي ليس من اختياري بل هي من اختارتني"، والقول لـ "برهم".
ويحكي أن أصدقاءه منذ 12 عاما يطلقون عليه "حارس المدينة" قبل استئجاره للمكتب ويبقى مجاورا للأقصى، لذا بات يشعر اليوم أن اللقب أخذ حصة منه.
تعلقه بالأقصى والبلدة القديمة بالفطرة كما يذكر، فاكتسبها لأولاده الأربعة، فهو دوما يوصيهم بعدم التخلي عن المكتب بشباكه المميزة، موضحا أنه يربى أبناءه على شغف المكان ولا يريد إغلاق قصته حتى لو رحل عن الحياة أو تغيب قسرا.
ويقول برهم أن صغيرته حلا التي تبلغ من العمر عشر سنوات تتباهى أمام زميلاتها في المدرسة وهي تردد "عنا شباك يطل على الأقصى"، بدلا من أن تتباهي بفستان أو هاتف ذكي أهداها إياه كحال من هن في سنها.
ويؤكد أن أولاده يدركون جيدا قيمة تواجدهم في المكان، ودوما يحاول تربيتهم على الانتماء لهذا الشباك الذي يرون من خلاله الجنة.