أبو ظبي- وكالات
اعترف الشاعر الفلسطيني محمد سليمان بتخوفه الشديد على مستقبل الشعر العربي لأسباب كثيرة, منها قلة الوعي , وانقراض النقد الحقيقي، كما تحدث عن المشهد الشعري في فلسطين و في الوطن العربي وعبر عن اعتزازه لكونه يشبه الشاعر الكبير محمود درويش في ملامح وجهه و طريقة إلقائه، وكذا كتاباته الشعرية ولكنه يحبذ التفرد ليضيف إلى التجربة الشعرية ذاته بعيدا عن عباءة درويش . كما تحدث عن مشاركته في أمير الشعراء لهذه السنة وعن طموحه للإمارة
- حدثنا عن الهوية والميلاد الإبداعي؟
هويتي هي ابنة كل العوامل التي ساعدت في تشكيلي الشخصي, سواء البيئة, أو الأوعية الثقافية كتبا أو غير كتب, وأدين هنا إلى وعيي الأول, وعملي في إطار المنظومة الإعلامية في غزة, وإلى الوسط الثقافي الذي استطعت في ظله أن أرى الأشياء بشكل أكثر وضوحا, حيث أتيح لي الاطلاع على العمل الإعلامي, والثقافي , رؤية المؤسسات عن قرب, سواء الحكومية منها أو الأهلية, كذلك التعرف إلى شخصيات أدبية , وثقافية كبيرة, وقراءة نتاجها, إلا أنني واجهت في بداياتي أزمة غياب المرشد الثقافي, حتى انني كنت أقرأ بدون الالتفات لما أقرأ, وبدون وعي كاف, ولا خطة محسوبة, وبداياتي كانت مع الأدب الكلاسيكي, في نتاجنا العربي, سواء منه ما كتب قبل الإسلام او في صدر الإسلام وحتى مدرسية الاحياء, كنت أحب القصائد الكبرى, والقصائد المحورية التي تتميز بفنية عالية على صعيد اللغة او الرؤية والتجربة, وأكثر الشعراء الذي أحببتهم ولازلت أحمل ملامحهم وأعتبرهم من جدودي الشعريين, واهمهم شاعر الاتفاق والعربية الأعظم المتنبي, أحببت أيضا الشعر الغزلي في الفترة الأموية, كثير وجميل والمجنون, كنت أحس بحب لهذه التجربة الفريدة, الحب في البيئة العربية البدوية القديمة.
وفي هذه الفترة شدتني جدا تجربة أمير الشعراء أحمد شوقي, وخصوصا مدائحه النبوية, وترجمة المنفى الاسباني, هؤلاء وغيرهم اشتركوا في صياغتي في المرحلة الأولى , وأخذوا بيدي إلى اللغة العربية , وربما هذه هي ملامح الفترة الأولى والبدايات التي كانت محاكة للنتاج الكلاسيكي العربي.
-كيف بدأت تتلمس طريقك نحو الشعر, وماذا عن الديوان الأول , وعما نشرت؟
لا أعرف متى تحديدا بدأت كتابة الشعر, ولا أعرف ما الحافز الأول نحو القصيدة الأولى, لكنني لازلت أتذكر كيف اكتشفت هذا المخلوق اللغوي/الشعر, وأذكر أولى قصيدة نشرت, وأول مرة رأيت اسمي فيها في صحيفة, كنت حينها في المدرسة, أحببت القصيدة رسخت في وعيي, وأصبحت أسيرا لها إلى يومي , ولا أعرف حقا هل أنا شاعر, أم لا, لست أنا من أقرر ذلك,
أما عن أول ديوان نشرته فهو لا يستحق أن أشير إليه, نشرته مبكرا واعتقد أنه كان من الواجب أن أنظر مرة أخرى فيما أكتب, ديواني الثاني والصادر عن رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين توزع بين الكلاسيكي والمحدث , وكنت أحاول جديا فيه أن أقدم نصا متجاوزا أتمنى أن أكون نجحت, ولازلت كما أشير دائما أنا في دائرة التعبير التي لن أخرج منها أبدا , أي أنني لا أفكر بالذهاب إلى التجريد, مع امكانية توظيف كل ما يمكنني في سبيل الوصول إلى نص متماسك وقوي يعبر عني, ولدي أيضا مشروع ديوان لم يكتمل بعد إلا أنني أتوقع ان أصدره خلال الأشهر القليلة القادمة.
- هل لنا أن نقترب من عوالم الشاعر محمد سليمان أبو نصيرة ؟
ليس لدي عوالم, لدي عالم واحد ربما يأخذ عدة أبعاد, وما يهمني هنا هو البعد الأدبي, والثقافي, انا ابن شعب محتلة أرضه, ومحاصر, وعمل الحواس لدي هو محاولة للدفاع عن وجودنا, وهذا ينعكس بشكل أساسي على تجربة الكتابة لدي, وهو الأمر الذي يسمح لي أن أكتب في حب الوطن, أو في حب المرأة على حد سواء لأن الهدف هو هدف وجودي هدف واحد, هذا على الصعيد الموضوعي, على الصعيد الفني, أنا دائما ما أفكر أن أخرج عن نطاق المألوف, ولكن في إطار الحواس, منطقة التجريد, والسوريالية أنا مهما بلغت من التشتت لن أدخلها أبدا, لأن مشروعي يأتي من الوعي ويذهب إلى الوعي, ويأتي من الخطاب ويخرج إلى الخطاب حتى وإن حاولت أن آتي بغير المألوف شعريا وانا هنا لا أزعم أنني أستطيع ذلك, إنما أنا أحاوله, وأتمنى أن انجح في تقديم نصٍ, لم يكتب, نص يستطيع أن يحقق درجة من الكثافة والارتباط بالمتلقي ومن الإيقاعية الداخلية والخارجية العالية يحافظ على القول والتعبير وتكون وحدته الصورة المبتكرة وقاعدته الحنين التراثي والإنساني ومادته الحب , نص يلامس سماء المقدس, هذا ما أنظر له, وكل ما أكتبه الآن, ما أكتبه غدا, هو محاولة للوصول إلى هذا النص الذي لن أصل إليه, أو بمعنى آخر إلى معلقتي الخاصة, ولذلك أحاول أن أتشرب وأهضم التجارب العالمية, على اختلاف مشاربها, وأضافت التجارب الشعرية العالمية لي, كذلك تجارب شعراء الحداثة العربية, كثير منهم ساهم في صياغة قاموسي اللغوي والشعري الحديث, وأتمنى أن أصل إلى النص الذي يحملني ويحمل ملامحي وذاتي بشكل متفرد, وهذا مستحيل إذ لا نص يأتي من الفراغ, والشاعر الذي يدعي أن نصه هو نصه وحده ولم يشاركه في صياغته الشعراء السابقون هو يدعي الكمال, وهذا مستحيل, لذلك الورقة التي أكتب عليها , تكون مليئة بالأصوات السابقة, من امرئ القيس أو قبله حتى آخر شاعر حقيقي مهم أضاف إلى الشعر ولم يكن فقط اسما عابرا, أو بعده.
-كيف ترى المشهد الشعري الفلسطيني حاليا ؟
هذا السؤال يدفعني للتفكير بمستويات عدة, من ناحية أقول ثمة رموز مهمة إلى الآن في حياتنا الشعرية, الشاعر عز الدين المناصرة واحمد دحبور وسميح القاسم هم من الأسماء المهمة عربيا , ولازالوا موجودين إلى الآن, كذلك ثمة أصوات شابة في مشهدنا الفلسطيني, تحاول أن تصوغ تجربتها الخاصة, وأتمنى أن يكمل جيل شعري شاب السناريو الفلسطيني, أو الملحمة الفلسطينية, نعم رحل كثير من الرموز الفلسطينية الشعرية, لكن قضية فلسطين قضية حيوية وتستطيع أن تنطق الشعراء , فقضية صنعت من الحجر قصيدة, تستطيع دائما أن تمد الشعرية العربية برموز جديدة وتغني الأدب العربي بالروائع, لأن فلسطين قصيدة متفردة دائمة النمو , وإن أصيبت أحيانا بخلل بنيوي تعود وتصلحه فورا.
المشكلة لدينا ربما ليست شعرية أساسا, المشكلة نقدية, النقاد في فلسطين نادرون جدا, جدا ,وربما في الوطن العربي كله.
- ماهي المواضيع التي تتناولها في كتاباتك الشعرية ؟
في ديواني الأول وجدت أنني أقسم موضوعي بين ذاتي أتحدث فيه إلى نفسي وعن نفسي, وشخصي أتحدث فيه إلى شخصيات أخرى وإلى من أثروا فيًّ سواء ممن عشت معهم أو ممن تأثرت بهم عن بعد, وكذلك الموضوع الوطني كان بديهيا أن يكون موجودا لدي وهذا أمر منذ حين هو لازم علينا نحن الشعراء الفلسطينيين, لأنني أصحاب أقدس قضية, وعدونا يحاول أن ينزع عنا الحق الثقافي والإرث الإنساني في هذه الأرض, بخرافته وكتبه المقدسة واناشيده الضاربة في الخرافة, واجبنا أن نصنع وان نوجد اسطورتنا ومعادلنا الثقافي والأدبي, كذلك لم أغفل موضوع الشعر الأكبر الحب, وأنا أعتقد أن الحب دائما مادة شعرية غاية في العمق ويجب أن تأخذ أبعادا كثيرة, ويمكن من خلال الحب دائما اكتشاف الوطن واكتشاف الذات, ولا يمكن أن أتعرف على نفسي إلا بشقي الثاني , وبالاستجابة شعريا إلى نداء الطبيعة في الدم.
-الكثيرون يشبّهونك بالشاعر العربي الكبير محمود درويش في طريقة الإلقاء و حتى في الشكل بماذا ترد عليهم ؟
نعم هذا السؤال ليست المرة الأولى التي يطرح علي, طرح علي مقابلات سابقة وأجبت باختصار , محمود درويش شاعري الشخصي, ولقربه من قلبي وإذ عشت في عصره, أنا اعتبره أبا لي, وأنا أبن مدرسة درويش الشعرية, وهذا شرف كبير لي, أن أشبه هذا الأب الشعري الكبير, ثم أن يحمل الإنسان ملامح من أبيه هذا ليس عيبا إطلاقا, من منا لا يشبه في بعض ملامحه أباه, لكن على الإنسان أن يخرج من العباءة وان يبقي على الصلة , وان يحاول التفرد ليضيف إلى التجربة الشعرية ذاته.
- كنت من ضمن الشعراء الذين قابلتهم لجنة التحكيم في أمير الشعراء ..كيف كان شعورك وأنت تصل إلى هذه المرحلة الهامة من المسابقة ؟
كما قلت سابقا أنا أعوّل كثيرا على مسابقة أمير الشعراء , باعتبارها أكبر مهرجان شعري, في الوطن العربي, وفي تاريخ الشعر, قد تعيد إلينا مربد الشعر ,
أم عن وصولي إلى قائمة الأربعين, فأنا فرح جدا بهذا, وأنا في غاية القلق الحقيقة, وذلك لأن غزة تصل لأول مرة إلى هذه المرحلة, وتحملني مسؤوليةً كبرى, في إيصال صوتها, والحضور باسمها, أنا أتمنى وانا الفلسطيني الوحيد من داخل فلسطين في قائمة الأربعين, أن أكمل هذه الطريق وأن أصل إلى قائمة العشرين التي نحن في ترقب شديد لإعلانها.
-هل تطمح الى الإمارة ؟ نعم, لكن إذا ما كنت استحقها أم لا , لا أقرر ذلك أنا, وأتمنى أن أستحق هذا اللقب الأكبر.