كل شيء في فلسطين له رونقه ونكهته المميزة، لاسيما الأعياد التي بقيت محافظة على طقوسها رغم متغيرات الأزمنة، حتى أن الفلسطيني في غربته بات يحرص أن يأتي لبلده والاحتفال برفقة عائلته في عيدي الفطر والأضحى.
لعيد الأضحى طقوسه الخاصة، التي تبهج الكبار قبل الصغار، خاصة وقت الذبيحة التي يتشارك فيها جميع أفراد العائلة، منذ الذبح حتى التوزيع، فتلك الأجواء تحمل في طياتها جوانب الرحمة والمودة والتعاون.
قبل يوم العيد بأيام تبدأ طقوس استقبال العيد بتوديع من يود تأدية فريضة الحج حيث يجتمع الحاج بأهله وجيرانه لتوديعه ومسامحته، وعند عودته يستقبل الحجاج بالفرح والغناء (التحنين) وإقامة الولائم؛ حيث كان الحاج قديما يغيب فترة طويلة لعدم توفر وسائل السفر السريعة؛ وكان يخافون على الحجاج من طول الطريق وصعوبة السفر.
كما ولايزال يحافظ الفلسطينيون على عادة التجهيز ليوم العيد من حيث شراء الملابس الجديدة واعداد الكعك والمعمول، والتجهيز للأكلات المخصصة في العيد "كالفتة الغزاوية، والسماقية، والمنسف" خاصة وأن تلك الأطباق الفلسطينية التراثية تحتاج إلى لحوم الأضحية.
ويتمسك الكثير من الفلسطينيين بصيام تسعة أيام من ذي الحجة التي تسبق العيد، وبمجرد تناولهم الإفطار يوم عرفة تبدأ التهاني والتبريكات فيما بينهم، ويلهو الصغار برفقة الكبار حول الأضحية.
أما يوم العيد الذي ينتظره الجميع، لايزال يحتفظ بكامل تفاصيله القديمة، فبعد صلاة العيد في المساجد أو في الساحات العامة، يهنئ المصلون بعضهم ويقولون " تقبل الله طاعتكم" و"كل عام وأنتم بخير".
وبعد الانتهاء من الصلاة وتبادل التهاني تسن السكانين لذبح الأضاحي (خاروف العيد أو العجل) وتوزيعها على الأرحام حسب السنة.
كما ويسمّي الفلسطينيون الأضحى بـ"العيد الكبير"، أو "عيد اللحم"، كون تعمرُ أيامَه الذبائحُ وفعالياتُ استقبال الحجيج، كما واعتاد الأجداد اختيار ذبيحتهم من الماشية التي يربونها، ومن لم يملك، كان يشتري أضحيته من سوق "الحلال" كما يفعل الجيل الجديد.
وكان الناس ولايزال يفضلون اختيار ذبح "الجفرا" وهي أنثى الخروف أو الماعز التي لا يزيد عمرها عن عامٍ وشهرين، لتميّز لحمها بطراوته.
أما عن أصول الذبح، كانت بعد صلاة العيد يذبحُ ربُّ البيت أضحيتَه أمام المنزل، ومن لا يجيد الذبح يستعين بجزّار مقابل حصةٍ من لحم الأضحية وجلدِها، ثم يُسلَخُ جلدُ الأُضحية بدقة، ويُنزَع الدِّهن منه، ويُقسّم اللحم ليوّزع على الأقارب والمحتاجين.
اليوم الطريقة ذاتها، لكن بات الجميع يفضل الذبح في المسالخ التي تخصصها وزارة الزراعة، رغم وجود عائلات لاتزال تحافظ على هذه العادة باقتناء الاضحية عدة أيام والاعتناء بها وسط ضحكات الصغار وفرحتهم.
أما عن "جاعد" الأضحية التي لاتزال تحتفظ به الجدات، يمكن القول استغل أجدادنا كلّ أجزاء الأُضحية، وتوارثوا مهارةَ دباغة جلدها منزليّاً، بعد تجفيفه بـ"حجر الشَّبة" ونشره في الشمس، واليوم كثير من البيوت خاصة في القرى والمناطق الشعبية لايزالون يحتفظون بـ "الجاعد" لتدفئتهم في فصل الشتاء.
أما عن تخزين لحوم الأضاحي قديما فكان لها طريقتين الأولى للاستهلاك القريب حيث تملح وتبهر وتعلق بالسقف مغطاةً بالشاش، والثانية للاستهلاك البعيد: تُطهى بدهنها أو تُجفّف وتُخزّن في جرارٍ فخاريّة.
بينما أكلات عيد الأضحى القديمة التي حرصت الجدات على طهيها بلحم العيد أبرزها: اللبنية، المنسف، الفتّ واللحم، الجريشة، واليخني.