قائمة الموقع

مقال: وهل يدرك الأوسلويون يوماً!!!

2022-07-12T18:12:00+03:00
محمود عباس
ياسر عرفات الخواجا

حتى نفهم ما يحيط بنا من أحداث وتحالفات وتطورات للأحداث وسياقاتها لابد أن نعود دائماً إلى أصل وجذور المشكلة. وعندما ندرك أن أصل الحقيقة الكاملة وما تعنيه علاقة الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة الأمريكية ندرك ونستنتج حالة الترابط للمصالح الثنائية ونستنبط طبيعة السياسة المتبادلة ومساحتها ومن يمسك بخيوطها ونفهم وبدون عناء كل ما يدور حولنا في المشهد السياسي العام. فأمريكا التي اعتادت على الدعم المطلق واللامتناهي وغير المشروط للكيان الصهيوني سياسياً وأخلاقياً وقانونياً وإعلامياً ولوجستياً والدفاع عنها من خلال التغطية على جرائمها من خلال الفيتو المعارض في كل المؤسسات والأروقة الدولية من أجل ابقاء هذا الكيان مسيطراً على المنطقة وخيراتها ولضمان استمرار المصالح الغربية كل هذا يعود لاعتبارات هامة تؤكد حقيقة العلاقة الأمريكية بالكيان الصهيوني.

فإسرائيل نموذج يشبه النموذج الأمريكي من حيث الجنس الأبيض وما يحمله هذا الجنس من عنصرية تسببت في إبادة شعب يسمى(الهنود الحمر) وشردته واستوطنت مكانه على أرضه مستغلة ومستخدمة مفردات وأدبيات وأساطير لتبرير هذا القتل وهذا الاحتلال بأنها أرض كنعان وأنها أرض الأجداد وأرض الميعاد، ونفس الديباجة التي استخدمت لتبرير احتلال فلسطين ولما أراد الغرب أن يجعل من فلسطين وطناً لليهود ادعو بأنها أرض الميعاد والأجداد وغيرها من الشعارات والأساطير التي استخدمت من أجل تبرير هذا الاحتلال وإعطائه فرصة الدعم والتعاطف الكاملين.

_فالبعد الثقافي وتأثير المجموعة الكبيرة من المدرسين اليهود ثقافياً على السلك التعليمي للطلاب الأمريكان من خلال استغلال وجودهم في هذا الحقل وبث كل الأساطير والخرافات القديمة من المآسي والعذابات التي تعرض لها اليهود وذلك حسب زعمهم. وبالتالي كان لهذا الاستغلال تأثير كبير على الثقافة المعرفية للمجتمع الأمريكي، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الكُتاب والفلاسفة المؤثرين الذين كتبوا في هذا المجال وكان لهذا أثر كبير أيضاً على المجتمع الأمريكي.

_أما البعد الديني والسياسي والانتخابي فالحياة السياسية في أمريكا يتقاسمها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، فالجمهوريون: لم يسعوا يوماً حتى لمجرد التظاهر والتعاطف لمصير الفلسطينيين وكان كل ما يعنيهم هم اليهود الصهاينة ودعمهم فهناك عدد كبير من الجمهوريين البيض الإنجيليين الذين يعتقدون ويربطون مصيرهم بالآخرة بمصير اليهود فهم يؤمنون بقيام دولة ما يسمى بإسرائيل ويعتبرون قيامها هي إرادة إلهية وفق التنبؤات الإنجيلية ويجب أن يعود اليهود إلى وطنهم أرض الميعاد عاقدين بذلك عودة المخلص إلى الأرض مرة أخرى حتى يقود المؤمنين به إلى الألفية السعيدة، أما الديمقراطيون فرغم أن كثير منهم يدعون بالتوازن وحقوق الإنسان حتى هؤلاء يصرون على إظهار دعمهم تعاطفهم اللامحدود لليهود وذلك من منطلق إما أن يكونوا هؤلاء أصلاً يهودا أو يمثلون دوائر من غالبية ناخبين يهود بالإضافة لتأثير منظمات اللوبي الصهيوني المتطرف وأثرها على الانتخابات الأمريكية والدفاع عن مصالح الصهاينة في فلسطين وعلى توجيه السياسيين الأمريكان نحو الحفاظ على الدعم الكامل والمتواصل للصهاينة من خلال الدعم العسكري والسياسي والحشد ومنع أي إدانة لإسرائيل على جرائمها داخل مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية.

تأتي السلطة في سياق تاريخي خاطئ لمفهوم التوافق مع هذا الكيان الذي يرفض ويتنكر للأخر من منطلق منظومة المعتقدات الثقافية والتربوية التي يتشربها المجتمع الصهيوني فالغرب والكيان الصهيوني كل ما يريده من وراء عملية التسوية هو عملية احتواء لشريحة وفريق فلسطيني يمكن من خلاله السيطرة على الواقع الفلسطيني وبعثرة جهوده وتمزيق صفه ضمن مفاهيم وسلوك تتساوق مع ترتيب المنطقة وفق الرؤية والمصالح الصهيوأمريكية ضمن وعودات حل الدولتين وحل القضايا العالقة تحت مسميات الشرعية الدولية والقوانين الدولية، الغرض منها استغلال الوجود الفلسطيني كونه شريكاً ضمن هذه المعادلة لتمرير كل الجرائم الصهيونية وخصوصاً موضوع المقدسات في ظل هذه المفاهيم وطبيعة العلاقة الاستراتيجية الصهيوأمريكية.

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع وافر وتوقع كبير من التفاؤل لدى القيادة الفلسطينية بهذه الزيارة وما تحمل في طياتها ظناً منهم أن هناك نصيب لفرض حالة من الحلول لكثير من القضايا الهامة والمتراكمة نتيجة لغياب الدور الأمريكي الفعال وخصوصاً في الملف الفلسطيني، بينما خارطة طريق الزيارة تشير بإعطاء الأولوية والأهمية الكاملة والواضحة للجانب الصهيوني وأمنه في المنطقة وإعادة ترتيب وهندسة دور الكيان الأمني والعسكري في شكله الجديد والذي تسعى الولايات المتحدة لتوسيع دوره في إدارة المنطقة بحكم توسع وغزارة المخاطر التي تواجه المصالح الصهيوأمريكية والعمل على تدارك حالة التفوق والسيطرة على المنطقة من جديد خصوصاً وأن العالم اليوم يواجه استعداداً كبيراً للتخلص من حكم الهيمنة وسياسة القطب الواحد للعالم أما بالنسبة للواقع الفلسطيني وبناء على ما سبق فإن الولايات المتحدة في ظل هذه التطورات للأحداث لا تضع أي اهتمام في أجندتها السياسية الرئيسية لتحسين الوضع الفلسطيني سياسياً بل على العكس سيتم استغلال هذه الزيارة لتنمية الجانب الأمني والاستخباراتي وتوسيعه في نطاق محاربة ما يسمى بالإرهاب وإعادة تكامل الدائرة الأمنية في المنطقة في مقابل بعض التحسينات الاقتصادية والانسانية ووعودات بتفعيل المطالب الفلسطينية ضمن إطار الشرعية الدولية دون أي تحرك عملي للمفاوضات وحل القضايا العالقة وتطورات الأحداث التي أنتجت واقعاً سياسياً وجغرافياً جديداً أدى إلى تنامي وتفريخ للسرطان الاستيطاني ومحاولات تهويد المقدسات بالإضافة للاعتداءات والممارسات الوحشية والعنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني واستمراره في احتلال الأراضي الفلسطينية. لدرجة أن الأوسلويون الذين يطالبون بجزء من الحق الفلسطيني من خلال عملية تسوية دعمها العالم الغربي بالأقوال وليس بالأفعال حتى أصبح الأوسلويون يطالبون بالتفاوض انطلاقاً من ذلك وحسب، بينما المحتل المغتصب للحق الفلسطيني يعاند ويصر على مواقفه لرفضه استمرار مسيرة التسوية ومن وراء ذلك دعم الإدارة الأمريكية له في هذا الجانب كما لو كان هذا المحتل هو صاحب الحق التاريخي لهذه الأرض و كما لو أن احتلاله لفلسطين يأتي بالسياق المنطقي والمعقول فهل يدرك فريق أوسلو يوما أن هذا الكيان لا يؤمن بشيء اسمه عملية سلام ولا يؤمن بالأخر ولا يؤمن إلا بنفسه وهل أستوعب الأوسلويون أن منظومة التربية الثقافية تقوم على إنتاج الثقافة العدائية وظاهرة الاستعلاء والكراهية والشعور بالتمايز تجاه الأخر على قاعدة (الأنا والأغيار) التي تصل لحد التنكر للأخر، وأن ما قامت به السلطة من خدمات أمنية لا حصر لها والتي كان آخرها تسليم الرصاصة للاحتلال عبر الوسيط الأمريكي والذي يعتبر طوق النجاة للتخلص من جريمة اغتياله العمد للصحفية الشهيدة (شيرين أبو عاقلة) وإغلاق هذا الملف الذي بات يؤرق السلطة ويُحرج الاحتلال، هذه الرصاصة التي تعتبر الدليل القاطع على الجريمة.. إلا أن هذا كله لا يُعد اعتباراً يدفع بالاحتلال إلى الجلوس مع السلطة على طاولة المفاوضات ويدفع استحقاقات التسوية. فهل أدرك فريق أوسلو عقلية وحقيقة المحتل الصهيوني؟

اخبار ذات صلة