لا يشي الواقع الفلسطيني في ظل حالة التفرد بالقرار وإحكام السيطرة على السلطات وانتشار حالة الفوضى والفلتان الأمني في الضفة، بخير، فيما بات من الأهمية بمكان العودة لصندوق الاقتراع وتجديد الشرعيات وإعادة بناء النظام الفلسطيني.
ولعل مطلب الشارع الفلسطيني الذي أصبح يتردد صداه بقوة مؤخرا وفي كل مكان، يعكس حالة التردي وغياب القانون والتفرد في ظل إصرار رئيس السلطة محمود عباس وقيادة فتح على تعطيل إجراء الانتخابات العامة – التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني والبلديات-.
وكان من المقرر إجراء الانتخابات منتصف العام الماضي، وهي الأولى منذ 16 عاما، على ثلاث جولات، تبدأ بالانتخابات التشريعية في 22 مايو من العام الماضي، تليها الانتخابات الرئاسية في 31 يوليو من العام الماضي، وتنتهي بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، في 31 أغسطس من نفس العام.
إلا أن عباس ذهب لإلغاء الانتخابات بذريعة رفض الاحتلال إجراءها في مدينة القدس المحتلة، وهو ما شكل صدمة للفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون هذا العرس الديمقراطي منذ سنوات كمدخل لإحداث تغيير في الحالة الفلسطينية وانهاء الانقسام.
ويبدو أن رئيس السلطة فضّل الهروب من استحقاق الانتخابات في ظل التشققات الداخلية بحركة فتح والتصدع وانفصال القيادي ناصر القدوة وتشكيل الملتقى الوطني الديمقراطي الذي يضم القيادي الأسير مروان البرغوثي والذي برز كمنافس جديد لعباس، إلى جانب تيار الإصلاح الديمقراطي بزعامة المفصول محمد دحلان، الأمر الذي ولّد خشية لدى عباس وفريق السلطة من التوجه نحو صندوق الاقتراع.
ورغم فشل المشروع السياسي الذي يتبناه عباس وفرقيه، وتهشيم (إسرائيل) لاتفاق أوسلو وفرض واقع جديد في الضفة المحتلة والقدس من خلال سرقة واحتلال ما تبقى من الأراضي وتهويد المسجد الأقصى ومحاولة فرض التقسيم المكاني والزماني، إلا أنه يصر على التمسك بالتنسيق الأمني وخيار التسوية وإدارة الظهر لخيار الشعب الفلسطيني ومطالبه بإجراء الانتخابات.
وأمام هذه الحالة فإن المطالب الوطنية تتصاعد وآخرها مبادرة "الإنقاذ الوطني" التي أطلقها القدوة، ووجهت الدعوة إلى كافة الفصائل الفلسطينية، وحملت تصوراً متكاملاً وخطة عمل لإنهاء الانقسام، وإجراء انتخابات شاملة، بالإضافة إلى وقف الفلتان الأمني والتفرد في إدارة النظام السياسي، لكن قوبلت بالرفض التام من السلطة.
ما سبق انعكس بشكل واضح على الحالة الفلسطينية، وخلق حراكا نقابيا واسع منذ بداية العام الجاري كان أبرزه احتجاجات نقابة المحامين التي لازالت متواصلة حتى اللحظة؛ على القرارات بقانون والإجراءات التي تغول فيها عباس على السلطة القضائية والعبث بمنظومة القضاء بما يخالف الدستور الفلسطيني.
وعلى وقع الاعتصامات والإضرابات النقابية بالضفة، وفي ظل حالة الفلتان الأمني والقتل وإطلاق النار على القامات والقيادات الوطنية وآخرها محاولة اغتيال د. ناصر الدين الشاعر، تُصر السلطة على صم آذانها عن المطلب الشعبي الداعي إلى إجراء الانتخابات الفلسطينية.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن استمرار رئيس السلطة وفريقه على تغييب الانتخابات يدفع الواقع الفلسطيني إلى مزيد من الانهيار والتردي، وبات يشكل حالة رفض عامة، وحراك شعبي وطني يشق طريقه نحو العصيان المدني بالأراضي الفلسطينية.