قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: في مكاسرة توحيد الساحات.. ماذا يريد الاحتلال؟

الصحفية ش
الصحفية ش

بقلم: شيماء مرزوق

"توحيد الساحات" في مواجهة ما أطلق عليه الاحتلال "الفجر الصادق"، ربما تلخص هذه المسميات أهداف وأسباب العدوان على غزة، عدوان لم يكن له المقدمات المعهودة من التوتر والتهديد والتصعيد، كما جرت العادة في جولات القتال السابقة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في غزة.

والغريب أنه في أوقات سابقة قصفت المقاومة تل أبيب وأماكن أخرى في المدن المحتلة، ولم يشن الاحتلال عدوانًا، وفي أسوء الأحوال كان يقصف مواقع تابعة للمقاومة وبحذر شديد خشية انهيار وقف إطلاق النار.

في استديو التحليل مساءً على أحد القنوات العبرية، حاول ثلاثة محللين الإجابة على سؤال: "لماذا نشن عملية عسكرية لمجرد تهديدات ودون خروج طلقة واحدة من غزة، وقد تجرعنا صواريخًا في قلب تل أبيب سابقاً؟"، لقد تركز حديثهم على ربط العدوان بالمصالح الحزبية والسباق الانتخابي المرتقب في نوفمبر المقبل، صحيح أن المصالح الشخصية والحزبية لقادة الاحتلال تتقدم في كثير من الأحيان، لكن غزة ليست الساحة المناسبة والمريحة لهذه اللعبة، وعلى العكس فقد خسر عدد من قادة الاحتلال مناصبهم وحظوظهم الانتخابية سابقًا بسبب غزة.

أطلقت المقاومة اسم "توحيد الساحات" على المعركة التي تخوضها ضد عدوان يحمل شيئًا من الغموض في توقيته وأسبابه وأهدافه، الاسم يؤكد أن المقاومة والاحتلال خبرا بعضهما جيدًا، إنها خبرة تشكلت عبر سنوات وعشرات جولات القتال.

يشكل عدوان الاحتلال والعملية العسكرية التي أطلق عليها "الفجر الصادق" امتدادًا لعملياته العسكرية في الداخل المحتل عام 1948 والضفة الغربية خلال الشهور الماضية، والهدف منها كسر معادلة "توحيد الساحات" وهي استراتيجية نجحت المقاومة في تثبيتها خلال معركة "سيف القدس" مايو 2021.

ويمكن القول أن الاحتلال بدأ التمهيد لهذه العملية قبل عدة شهور، حينما نفذ مناورة "عربات النار" في مايو الماضي والتي هدف منها وضع سيناريوهات قتالية على جميع الجبهات التي يحتمل بها التصعيد، ولكنها تركزت على جبهة الداخل المحتل بعد سلسلة عمليات نفذها فلسطينيون من الداخل خاصة عملية "إلعاد" وشكلت هذه العمليات صدمة لدى دوائر الاحتلال الأمنية.

في المقابل يرصد الاحتلال خطرًا حقيقيًا في الضفة، هناك حيث شيء ما يتشكل؛ يمتد ويتشعب؛ تراه (إسرائيل) جيدًا وتتلمس أثره مع زخات الرصاص التي تمطر قواتها خلال كل عملية اعتقال واقتحام تجري في جنين ونابلس، إنها ملامح مرحلة جديدة، تشكل فيها غزة معقل ورأس المقاومة، وتمد أذرعها في مدن الضفة.

أطلق الاحتلال عملية "كاسر الأمواج" في أبريل الماضي بعد سلسلة من العمليات الفردية والتي خرج معظم منفذيها من مخيم جنين، الذي بات تحديًا كبيرًا للاحتلال لسببين، أولهما أن المخيم أصبح يشكل بيئة حاضنة للمقاومة، خاصة بعدما خرج عن سيطرة السلطة، وأصبح ملاذًا لكل المقاومين، وثانيهما أنه يشكل نواة لبنية المقاومة، وعبّر عن هذه البنية بقوة الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة من فصائل المقاومة في جنين سبتمبر الماضي، على غرار غرفة العمليات المشتركة في غزة، على الرغم من اختلاف البيئة والظروف والميدان والوسائل، ما يعني توحيد العمل المقاوم وجهد الأذرع العسكرية وتشكيل نواة حقيقية لبنية المقاومة في الضفة، يمكنها أن تمتد تدريجيًا لباقي المدن، وهذا ما حدث في مدينة نابلس.

سبق عملية "كاسر الأمواج" عدوان من نوع أخر وتحديدًا بعد "نفق الحرية" الذي تحرر من خلاله 6 أسرى من سجن جلبوع، والذين تحصن اثنان منهما في المخيم، فيما قال الباقي صراحة إنهم كانوا يحاولون الوصول للمخيم والاحتماء به، فقد شن الاحتلال منذ ذلك الوقت عملية عسكرية "تدريجية" ودون إعلان رسمي، يتمحور عملها في مخيم جنين وتهدف لتصفية بنية المقاومة، وذلك من خلال عمليات الاقتحام شبه اليومية التي تنفذ وتغتال المقاومين.

وقد اعتمد سلوكه العملياتي على الأرض، عدم الإفراط في استخدام القوة لتجنب وقوع أعداد كبيرة من الشهداء، وبالتالي تأجيج الجمهور وانتقال الحالة الثورية إلى باقي مدن الضفة، والدفع بقوات النخبة لتنفيذ الاقتحامات وعمليات الاعتقال الليلية، لضمان تنفيذ المهمات بدقة متناهية.

إنها باختصار معركة يخوضها الاحتلال لمنع كسر استراتيجية الفصل، ومحاولة إنهاء الإنجاز الذي حققته المقاومة في "سيف القدس"، حينما وحدت الساحات ضد الاحتلال، تلك المعركة التي يمكن القول إنها أسست لاستراتيجية جديدة على صعيد العمل المقاوم الفلسطيني بكل أشكاله، حينما وجدت دولة الاحتلال نفسها في لحظة أمام هجوم من كل الجبهات الفلسطينية، لم تعتد عليه ولم تخبره منذ تأسيسها، وهي صاحبة استراتيجية الفصل بين الساحات الفلسطينية والاستفراد بكل ساحة والتي عملت عليها منذ عقود، وعززتها كاستراتيجية أولى في التعامل مع الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم منذ عام 2002، وفي أعقاب عملية "السور الواقي".

وحتى في عدوانها ضد غزة تتركز تصريحات قادة الاحتلال حول الجهاد وضرورة توجيه ضربة قاتلة لها دون غيرها من التنظيمات، على اعتبار أنها تقود كتيبتي جنين ونابلس، ومن صاغت اتفاق التفاهم بين الأذرع العسكرية في جنين.

إنها استراتيجية الفصل مرة أخرى، وهنا المقصود الفصل بين التنظيمات والاستفراد بتنظيم بعينه، رغم إقرار الاحتلال أن بصمات حماس في المعركة واضحة.

المراسل العسكري (الإسرائيلي) يوسي يهوشوع قال "إن حركة حماس تقود المعركة الحالية بذكاء، حيث توزع الجهد وتستخدم الغرفة المشتركة كواجهة من أجل إرباك جيش الاحتلال"، موضحًا أن بصمات حماس الأمنية ظاهرة في الميدان من خلال تقليل الخسائر بشكل كبير بين صفوف مطلقي الصواريخ، وأن توزيع الضربات الصاروخية مكانًا وزمانًا يظهر بصمات حماس العسكرية في هذه المعركة.

وهناك يمكن القول إن مسألة الاستفراد بتنظيم دون غيره فكرة لم تعد واقعية في ظل غرفة العمليات المشتركة والمسؤولة الأولى عن قرار السلم والحرب، والتي تقودها حركة حماس وتملك أكبر ذراع عسكري فيها، فهي من تسلح الأجنحة العسكرية وتوفر لها الحماية والبيئة والمقدرات والمواقع التي تمكن كل الأذرع العسكرية من العمل بحرية.

من ناحية أخرى فإن حماس التي بادرت لضرب الاحتلال في معركة "سيف القدس" دفاعًا عن المسجد الأقصى، وحماية للمقدسات وكانت أول من عمل على الربط بين الساحات وتثبيت معادلة غزة-القدس، هي الأكثر حرصًا على الحفاظ على منجزات "سيف القدس" والغرفة المشتركة.

بيان غرفة العمليات المشتركة عصر الجمعة الماضي شكل غطاءً ودرعًا لتصدي الجهاد الإسلامي للعدوان الذي بدأه الاحتلال، لكن ما بين سطوره يظهر طريقة مختلفة لإدارة المعركة هذه المرة، طريقة فهمها الاحتلال، فقد قال المراسل العسكري شاي ليفي "إن حركة حماس تقود غرفة عمليات من تحت الطاولة، نحن في (إسرائيل) نعرف قدراتها جيداً وهي تعرف كيف تستنزف جيشنا، خطيئة (إسرائيل) هذه المرة أنها حددت هدفًا واحدًا في المواجهة الدائرة، وهو الجهاد الإسلامي، وهذه الخطيئة استثمرتها حماس لتفعل ما تريد من خلف هذا الستار، الآن الجميع يقوم بضربنا باسم الجهاد، إنهم يتفقون علينا ويائير لابيد هو السبب".

باختصار يمكن القول إن الاحتلال يشن عدوان لمعالجة أثار سيف القدس، لإنهاء معادلة "توحيد الساحات" وطريق غزة- القدس، إنها معركة لحماية سياسة الفصل ومنع تغيير الأمر الواقع، ورغم قساوة العدوان لكن هناك شيء مهم يجب الانتباه له، لقد انتقل هذا الاحتلال من الهجوم وفرض السياسات، إلى محاولة الدفاع عن إستراتيجيات ظن لعقود طويلة أنها ثابتة وأنه وحده قادر على فرضها، كما انتقل المقاومة من مربع الدفاع والصمود، إلى فرض المعادلات وكسر استراتيجيات العدو، وهذا وحده تغيير يدفع الاحتلال لاستنفار كل مقدراته لمنعه.

البث المباشر