توافق اليوم الذكرى السنوية الحادية وعشرين لعملية الاستشهادي القسامي عز الدين سهيل المصري من جنين، والتي وقعت في مطعم سبارو الموجود في مدينة القدس المحتلة، وأسفرت عن مقتل أكثر من عشرين صهيونياً وإصابة أكثر من مئة وعشرين آخرين.
ولد الاستشهادي البطل عز الدين المصري في قرية عقابا بمحافظة جنين في السابع عشر من آب/ أغسطس لعام 1979م، لأسرة متدنية، نشأ وترعرع على حب الدين وأهله، واعتاد على ارتياد المساجد، والقيام بالنوافل من صيام وزيارة للأرحام والدعوة الى الله على بصيرة.
ترك الدراسة في مرحلة مبكرة ليساعد والده وإخوانه في المطعم الذي يعد مصدر رزق العائلة، وشارك في أحداث الانتفاضة الأولى، حيث القاء الحجارة على سيارات الجيب الصهيونية، ولكن بسرية تامة لا يعلم بها أحد وكان يستعد للالتحاق بكتائب الشهيد عز الدين القسام.
بدأ عز الدين العمل في مطعم والده يوصل الطلبات إلى الزبائن ما كان يراه أحد إلا ويحبه، كيف لا يكون ذلك وهو صاحب الابتسامة التي لا تفارق محياه راسمة مشاعر المحبة لأبناء شعبه وأمته، حيث تعرف على شباب كثر خلال عمله في السوق.
الانتقام من المحتلة
ويوما بعد يوم تزداد الانتفاضة وتشتد ضراوتها، وإذا بالكثير ممن يعرفهم يسقط بين شهيد وجريح ومعتقل، وكل حدث تحمله الانتفاضة يزيد عز الدين إصرارا على الوفاء لدماء الشهداء وآهات الثكالى والجرحى، ويزداد في قلبه الانتقام من محتل قتل وشرد واسر.
في أحد أيام عام (1999) كان عز الدين على موعد مع المخابرات الإسرائيلية وذلك بطلب منهم عبر تبيلغ أوصلوه إلى بيته، فما كان من عز الدين إلا أن ذهب للمقابلة في معسكر سالم الصهيوني، حاملا بين يديه نفسا أبية وروحا متعلقة بخالقها لا يخاف في الله لومة لائم.
وهناك بدأ التحقيق.. أنت عضو في حركة حماس وتقوم بنشاطات معادية للدولة، فما كان من عز الدين إلا إنكار ذلك، وبدأت عمليات الترهيب والترغيب، ترهيب بالسجن والقهر والتعذيب، لكن البط الحر لم يأبه بذلك أبداً، بل بدا كالجيل الشامخ الأشم.
وتبدأ جولات أخرى من الترغيب، تعامل معنا، ولك دراجة جديدة تخدمك أكثر في عملك وتوزيع الطلبات، تعامل معنا ولك محل خاص بك، ولكن ذلك كله لم يهز ولو شعرة واحدة من البطل، بل صرخ في وجه المحتل الغاصب والله لو أعطيتني مال الدنيا كله على أن أتعامل معكم، ما فعلت وما حلمتم بذلك أبداً، فافعلوا ما شئتم فلن أكون خائنا لديني وأمتي أبدا بإذن الله تعالى، وخرج البطل شامخاً رافعاً رأسه في السماء.
الالتحاق بالقسام
التحق المصري بكتائب الشهيد عز الدين القسام على يد القائد القسامي المهندس قيس عدوان أبو جبل، وبدأ العمل بسرية تامة.
وبتاريخ الحادي والثلاثين من تموز لعام 2001م كانت فلسطين على موعد مع مجزرة بحق قادة عظام وشهداء كرام، إنه موعد ارتقاء الجمالين القائدين (جمال منصور وجمال سليم)، ورفاقهما والطفلين إلى حور الجنان.
وبدأت الكتائب تستعد للانتقام، فالمصاب جلل، والفاجعة بالشيخين عظيمة وبدأ الاستشهاديون بالتجهز للصعود إلى الحور العين وكان من ضمنهم عز الدين المصري، ليحقق أمنيته التي طالما رددها عندما كان يجيب مع من يعرض عليه الزواج، الحور العين أفضل من هذا كله.
وبدأت الأيام تمضي بخطى ثقيلة متباطئة حتى كان يوم التاسع من آب/ أغسطس لعام 2001، وبدأت عقارب الساعة تدور وتتسارع ساعة تلو أخرى حتى كانت تشير إلى ساعات المساء، ولا أحد يدري ماذا كان يخبئ القدر في تلك الساعات.
الثأر للشهداء
لقد كانت ساعات الرد، كانت لحظات الزلزال المدمر، إنه وقت الثأر للشهداء، وقت الانتقام من عدو لم يفرق بين شيخ مسن ولا طفل رضيع، وإذا بانفجار يهز مطعم سبارو في مدينة القدس المحتلة، إنها عملية استشهادية وعشرات من القتلى والجرحى.
حالة استنفار وفزع يعيشها الكيان الغاصب، وتبدأ التقديرات بالخروج تباعاً، أكثر من عشرين قتيل وأكثر من مئة وعشرين جريحا.
وقد استقبلت جنين الخبر بمظاهرات ومسيرات خرجت تبارك هذه العملية النوعية التي أثلجت صدور قوم مؤمنينـ عام أعقب ذلك أقدمت قوات الاحتلال على هدم منزل العائلة في بلدة عقابا، حيث تعرضت العائلة إلى الكثير من المضايقات من منع للسفر ودهم مستمر للمنزل، ولكن العناء يزول وتبقى الذكرى.
وهكذا كانت الحكاية، حكاية الثأر للقادة العظماء والسادة الشهداء، حكاية المقاومة في وجه محتل دخيل سلب وقتل وشرد، وحكاية الاستشهادي الذي أبى إلا الصعود إلى العلياء راسما بدمه فصول الحكاية.