أصبح الأطفال الغزيون يقيسون كبرهم بعدد الحروب التي عايشوها، حيث مشاهد الدمار التي انطبعت في ذاكرتهم، ودماء الجرحى التي تنزف فوق الركام، إلى جانب الشهداء التي حولت أجسادهم إلى أشلاء صواريخ الاحتلال (الإسرائيلي).
ومع موعد عودة الصغار إلى مقاعدهم الدراسية، وعادة في مثل هذه الأيام يتلهفون للمدرسة وزملائهم، لكن هذه المرة الفرحة منقوصة وحتى الاستعدادات ليست كما جرت العادة، فعيونهم تترقب عدوانا جديدا، وتحول من السؤال "متى المدرسة، إلى متى الحرب؟".
وما يعيشه الصغار في هذه الأيام هو حالة من القلق والترقب والخوف الشديد، لاسيما وأن صواريخ الاحتلال كانت تتعمد قصف تجمعات الصغار خلال العدوان الأخير وكان حوالي نصف الشهداء من الأطفال مما أرعب من بقوا على قيد الحياة بأن الدور عليهم في أي تصعيد جديد.
وما يخشاه الصغار أكثر مع العودة للمدرسة، ليس صعوبة المنهاج أو تغير الزملاء في الفصل أو حتى أن يأتيهم "مدرس شديد" كما جرت العادة، بل أن يعود أحدهم ويجد زميله شهيدا، أو آخر مبتور اليد أو القدم بعد الإصابة بقذائف الصواريخ لاسيما في المناطق الشمالية والجنوبية من القطاع.
تقول مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في بيان صدر عنها إن إلحاق الأذى بأي طفل أثناء النزاع "أمر مزعج للغاية، كما أن قتل وتشويه العديد من الأطفال هذا العام أمر غير معقول".
وكانت الكلفة المدنية للتصعيد الأخير في غزة بين 5 و7 آب/أغسطس فادحة، إذ تحقق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أنه من بين الشهداء الفلسطينيين الـ 48، كان هناك ما لا يقل عن 22 مدنيا، بينهم 17 طفلا وأربع نساء.
ومن بين 360 فلسطينيا تم الإبلاغ عن إصابتهم، كان ما يقرب من ثلثيهم من المدنيين، بما في ذلك 151 طفلا و58 امرأة، و19 من كبار السن، وفي عدد من الحوادث، كان الأطفال هم غالبية الضحايا.
معدل القلق والخوف
وتقول الأخصائية النفسية علا دويك، إن تأثير الأوضاع التي عانى منها سكان قطاع غزة مؤخرا أثرت بشكل واضح على الأطفال من الناحية النفسية خاصة أن الحدث تمركز من الشهر الأخير للإجازة الصيفية أي قبل العودة للمدارس، بالإضافة الى المدة الزمنية القصيرة ما بين عدوان 2021 والأخير والتي أدت لاسترجاع الأحداث السابقة بصورة كبيرة من حيث خصوصية هذه الجولة التي بدأت من حيث انتهت الجولة السابقة وبشراسة أكبر.
وذكرت دويك "للرسالة نت" أن الأطفال أصيبوا بالهلع لأن غالبية المصابين والشهداء كانوا من الأطفال، ومعظمهم من الجيران والأصدقاء مما جعل تفكير الصغار وتساؤلاتهم متمركزة حول الجولات القادمة ومتى ستعود، كيف ستكون، من ستحصد" مما يزيد من معدل الخوف والقلق لديهم.
وأشارت إلى أن التوتر لدى الصغار يزيد من المشاكل السلوكية ويترتب عليه ضعف الدافعية والحماس للعودة للمدارس وقد سمعتها من أحد الأطفال " لماذا أدرس وفي النهاية سوف استشهد".
وذكرت دويك أنه من واجب المعلمين والمنشطين والأخصائيين مساعدة الطلبة في التخفيف من الآثار النفسية والصدمة عليهم من خلال مساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم وتصديقها والتفاعل معها.
ودعت الاختصاصيين النفسيين في المدارس إلى استخدام كافة أساليب التفريغ النفسي في الأسبوع الأول من المدارس كالرسم والغناء والأنشطة الرياضية والترفيهية، في محاولة لإعادة التوزان العاطفي والنفسي لدى هؤلاء الطلاب لاستكمال حياتهم التعليمية والاجتماعية.
ويشار إلى أن وزارة التربية والتعليم ذكرت أن الأسبوع الأول من العام الدراسي سيبدأ ببعض البرامج التعليمية الخاصة بالدعم النفسي لتخليص الطلبة من آثار العدوان (الإسرائيلي) الأخير وتهيئتهم للعام الدراسي الجديد بالشكل السليم.