"تل أبيب كنتساريم" العبارة الأشهر لرئيس حكومة الاحتلال الأسبق آرئيل شارون التي طالما استخدمها للتدليل على أهمية غزة ومقارنة بعاصمة كيانه المزعوم، لكن سرعان ما جعلت المقاومة من نتساريم قطعة من الجحيم التي يستحيل العيش فيها، وأرغمت الاحتلال على الهروب من غزة تحت وقع ضرباتها.
وفي مثل هذا اليوم الثاني عشر من سبتمبر عام 2005، وتحت شدة ضربات المقاومة الباسلة اكتمل تحرير قطاع غزة إلى جانب بعض مستوطنات الضفة من دنس العدو الصهيوني.
محطة فارقة
اندحار العدو عن القطاع شكل إنجازا كبيرا ومحطة فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وخطوة على طريق تحرير كامل الأرض الفلسطينية وتحقيق حلم شعبنا بالعودة إلى دياره التي هُجر منها.
إرهاصات الاندحار كان عنوانه الأبرز "المقاومة" التي لم تترك للعدو الصهيوني ومستوطنيه سبيلا للراحة والأمان في القطاع، وواصلت العمل في كل زمان ومكان بما تملكه من عدة وعتاد، وقدمت في سبيل ذلك المئات من رجالها الأطهار.
خلال انتفاضة الأقصى التي دنس فيها المجرم شارون ساحات المسجد الأقصى، وجد العدو نفسه أمام مواجهة موحدة من شعبنا ومقاومته، ومع تصاعد وتيرة المقاومة في قطاع غزة وتطورها وتزايد العمليات البطولية والاستشهادية، وجد الاحتلال نفسه عاجزا عن دفع فاتورة احتلاله لغزة، ما أُجبر خاضعا ذليلا على قرار الانسحاب يوم 15 أغسطس 2005 وتم تنفيذه خلال أقل من شهر.
تصاعد المقاومة
تحقق الإنجاز التاريخي للمقاومة، بعد أن وجد العدو نفسه أمام سيل لا يتوقف من عمليات المقاومة الاستشهادية واقتحام المستوطنات وتفجير مواقعه العسكرية عبر حفر الأنفاق تحتها، إضافة إلى استخدام قذائف الهاون التي صنعتها كتائب القسام محليا، والتي أدت إلى مقتل المئات من جنوده ومستوطنيه، فكانت كابوسا يحصد رؤوسهم.
ضربات المقاومة طالت العدو في كل أماكن وجوده، فنفذت أكثر من 200 عملية بين تفجير وإطلاق نار واقتحام ودهس، خلفت أكثر من 650 قتيلًا وما يزيد على 3200 جريح.
مرت 17 عامًا على اندحار العدو عن 21 مستوطنة كانت تمثل حوالي 35% من مساحة قطاع غزة، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يندحر بها عن أرض احتلها بعد 38 عامًا، وما هي إلا أولى قطرات الغيث، وباكورة إنجاز ستكتمل فصوله بتحرير كل ربوع فلسطين.
إنجاز وطني
جاء تحرير القطاع ثمرة لنضالات الشعب الفلسطيني الممتدة وتضحياته التي قدمها بتقديم 2043 شهيداً خلال الانتفاضة، والذي اعتبرته حركة حماس إنجازًا وطنيًا ومقدمة لتحرير باقي الأراضي المحتلة.
كما كسرت المقاومة هيبة العدو، وحطّمت ما يسمى "أسطورة الجيش الذي لا يقهر"، وهدمت كل مسارات التسوية والتفاوض معه، وخيبت ظن الواهمين به بأنه سيعيد لشعبنا أرضه بالمفاوضات، كما أثبتت صحة نهجها وفاعلية مسارها بأن المقاومة وعلى رأسها المسلحة ستبقى الخيار الأوحد لاستعادة أرضنا والدفاع عن شعبنا.
وشكّل الاندحار الصهيوني عن قطاع غزة تراجعًا واضحًا للمشروع الصهيوني، وانتصارًا لخيار المقاومة، كما كان تقويضًا لحلم العدو بالاستيلاء على المزيد من أراضي شعبنا، وأن يمتد كيانه على أوسع نطاق في المنطقة.
وخلال انتفاضة الأقصى فاجأت المقاومة العدو بعملياتها النوعية، وأثبتت فشله الاستخباري في توقع ردودها ونواياها، ما شكّل نقطة نجاح في إطار صراع العقول.
ومن أبرز العمليات التي أجبرت العدو على الاندحار وأوقعت العشرات من القتلى والجرحى، عمليات تفجيرية في مواقع ترميد عام 2001، وموقع حردون عام 2003، وموقع محفوظة عام 2004، عبر حفر الأنفاق تحتها، وعملية براكين الغضب عام 2004، والسهم الثاقب عام 2004.
إلى جانب العديد من العمليات الاستشهادية كعملية الاستشهادي طارق حميد عند حاجز أبو هولي بدير البلح عام 2004، واقتحام المستوطنات التي كان أبرزها عملية مغتصبة عتصمونا التي نفذها الاستشهادي محمد فرحات وقتل 11 جنديا، إضافة إلى العديد من العمليات المشتركة مع فصائل المقاومة، التي أدت مجتمعة إلى دحر العدو بكل قوة عن غزة.
اندحر العدو، وقال حينها القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف: "احتللتم أرضنا، وها أنتم تخرجون من غزة خزايا… لكننا نعدكم غداً أن تكون كل فلسطين عليكم جحيما بإذن الله"، وما تحرير قطاع غزة إلا خطوة أولى خطتها المقاومة على طريق تحرير كل أرض فلسطين.