الرسالة نت – محمد ابو قمر
تخنقها العبرات الممزوجة برجفة في صوتها، وفشلت محاولاتها مداراة دموعها التي تساقطت من تحت نقابها.رغم صغر سنها الا أن الفقر حطم أم أحمد ابنة الخمسة وعشرين عاما التي تقطن مع زوجها الثلاثيني وأطفالها الخمسة في "حواصل".
لم تفلح جدران "الحواصل" التي اخترقها الهواء البارد أن تخفي فقر تلك الاسرة...جدران تضم بعض الافرشة القديمة، ومطبخ خال من فرن غاز وثلاجة.
بتنهيدة اخترقت صوت الرياح المتسللة عبر النافذة المكسورة تضيف أم أحمد "ننام بجانب بعضنا، وألملم أطفالي الصغار بحثا عن الدفء المفقود". قبل عقد من الزمان كان يعمل أبو أحمد حدادا، ومع تضاؤل فرص العمل انتقل لمجال البناء، ومن ثم انضم لطابور البطالة.
في تلك الحواصل الواقعة أسفل منزل والده، يقطن أبو أحمد الذي يعاني من "افتاق" ويخشى من أن يزداد وضعه الصحي سوءا في حال خضوعه لعملية جراحية.
يقاوم الرجل الثلاثيني آلامه ويبحث عن فرصة عمل تتناسب مع وضعه الصحي، ولم يفوت أي عمل جزئي متقطع يحصل من خلاله على مبلغ بسيط يسد رمق أطفاله.
خمسة من الابناء أكبرهم اثني عشر عاما، وأصغرهم خمسة أشهر، خرجوا الى النور والفقر يزج والدهم في دوامته العميقة، وفشلت جميع محاولات مقاومتها.
تبكي الزوجة بحرقة، على حالها السيئ الذي يرافقها منذ الزواج، لم تر يوما شيئا حلوا في حياتها، كما تقول، وانهارت أمام ضربات الفقر المتلاحقة.
"وضعنا تعبان كثير، مش ملاقي مين يساعدنا أنا وزوجي حتى نقف على رجلينا" تخرج تلك الكلمات من حنجرة تخنقها الدموع المذروفة من عيني أم أحمد.
أمنية بسيطة تحلم أم أحمد بأن تتحقق، ليس ببيت أكبر من الحواصل، أو دخل شهري كبير، وانما عمل لزوجها بيومية عشر شواقل يمنعها "اللف على الجمعيات".
تتساءل أم أحمد " ماذا يعني صبية تتنقل من جمعية لأخرى بحثا عن مساعدة ؟ والله نفسيتي تعبت، وزوجي لم يعد يحتمل المزيد".
نظرة بسيطة الى المنزل الذي تكسو الرمال جزءا من أرضيته، وطبقة اسمنتية فوق الجزء الاخر، ، ويفتقد لمصارف صحية، مما يزيد من معاناتها، يظهر حجم المعاناة التي تعيشها الأسرة.
تنهي الزوجة حديثها "ما حد بيدور على حد" لكنها تدرك بأنه سيأتي يوما يفتقدها أهل الخير وأصحاب الايادي البيضاء، وينتشلوا أطفالها من تلك المعاناة، بتوفير عمل محدود لزوجها، وبعض المتطلبات الاساسية التي ترحمها من الحاح أطفالها الصغار الذين لا يعرفون عذرا "مش موجود".
فسحة أمل ....
رغم الالم يبقى هناك بصيص من الامل يعيد رسم الابتسامة على شفاه المحرومين، ولا يزال لسان الفقراء يلهج بالدعاء لكل من وقف بجانبهم وساندهم.
وجدت حالة "أبو أيمن" وفتياته التي عرضتها "ألم وأمل" الاسبوع الماضي من يقف بجانبها ويوفر لها مبلغا من المال لكساء منزلهم "بالنايلون" وشراء باب له، وبعض المستلزمات الاساسية.
ويكفي أهل الخير تلك الدعوات التي خرجت من أفواه الام وبناتها لكل من ساندهم، وهن يدعين "الله يبارك فيكم، الله ينشلكم من كل ضيق، الله يوفقكم، ويوسع رزقكم".
وبعيدا عن المؤسسات الرسمية والجمعيات الخيرية التي لم تتجاوب مع الحالات الانسانية التي تعرضها "ألم وأمل" ربما لثقل مهامها أو عدم متابعتها للحالات المنشورة على صفحات "الرسالة"، تلقى مشرف ألم وأمل أمس الاربعاء اتصالا هاتفيا من سيدة مغربية مقيمة في فرنسا، تسأل عن سبل لمساعدة تلك الاسر التي تسلط الضوء عليها.
من هنا تتقدم "ألم وأمل" بالشكر لمن وقف بجانب الفقراء، وساهم في تخفيف آلامهم، وتدعو المحسنين لمساندتهم، والتكاتف لتحقيق شعار "هيا نحول الالم الى أمل".