قائد الطوفان قائد الطوفان

بين زلة اللسان والزلل السياسي

ريما نزال

استُقْبِلت تصريحات محافظ نابلس، التي قام خلالها بالتحريض على أمهات الشهداء واتهامهن بالشذوذ وبأنهن يرسلن أبناءهن الى الانتحار ومن ثم يدّعين النضال، باستهجان واستياء المجتمع الفلسطيني بأسره، فالمساس بمتلازمات إحدى ركائز القضية الفلسطينية وثوابتها النضالية بمثابة خروج عن الحدود المسموح بها وطنياً، ولا تندرج في إطار قضايا الحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير التي كفلها القانون.

والمحافظون بشكل عام يتم تعيينهم بقرار صادر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بمعنى أن صلاحياتهم مستمدة من صلاحياته ولا يمكن إلغاؤها جزافا وبمثل هذه العفوية والسطحية المفرطة التي تفوه بها، فالمحافظ يمثل الرئيس على جميع الصعد العسكرية والسياسية والوطنية والاجتماعية والثقافية، بل يعتبر بمثابة رئيس الإدارة العامة وأعلى سلطة في محافظته بموجب المرسوم رقم 22 لعام 2003 كما يقوم بالاشراف على تنفيذ السياسة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية.

من المؤسف أن المحافظ حاول بتصريحه إدخال رأيه وموقفه السياسي المعارض للعمليات الفدائية التي يقوم بها الشباب المناضلون، وتصديهم لقوات الاحتلال والمستوطنين من خلال التعرض لأمهات الشهداء فوقع في الخطيئة مرتين، مرة في طرح موضوع خلافي الأجدى نقاشه في الهيئات السياسية مثل هيئات التنسيق الفصائلي وهيئات منظمة التحرير العليا ودوائرها، ومرة حين مرر موقفه من خلال أمهات الشهداء اللواتي تجاوز عددهن أكثر من مئة ألف أم استشهد أبناؤهن على مذبح التضحيات المقدمة على طريق الحرية والاستقلال.

والأسوأ أن التفوهات التي أدلى بها محافظ نابلس تتقاطع مع الرواية الاسرائيلية الشائعة، ومحاولاتهم المستميتة الاساءة إلى أمهات الشهداء وتجريمهن على الزغاريد التي يطلقنها في جنازات أبنائهن الشهداء وقولبتها كإحدى مظاهر الفرح لوصمهن بالقسوة ونزعهن عن بشريتهن..

زلة لسان المحافظ إذا ما صُنّفت كذلك إزاء أمهات الشهداء، تصب من حيث لا يدري في خانة من يريد نزع القداسة عن القضية الفلسطينية وتجريم النضال الفلسطيني التحرري والضرب بعرض الحائط التضحيات التي سقط على مذبحها مئات ألوف الشهداء.

قد يربط بعضنا محقا التصريحات كأحد معالم مرحلة تلفظ أنفاسها أو تصل نهاياتها، مرحلة تظهر اللوحة الفلسطينية بشكلها التجريدي، الانفصال عن الواقع، اللسان الذي تجرد من فلسطينيته، تحلل من تراث وتاريخ الشعب الفلسطيني، تجريد المرأة الفلسطينية عن مكانتها وقداستها وتجريد زغاريد أمهات الشهداء من قُداسة نضالية تراثية تعني استمرار النضال والتضحيات. إنه أداء مثير للارتياب، وسقوط حرّ في هاوية البؤس الثقافي في واقع يشهد ملحمة نضالية ليس لها مثيل.

إقالة المحافظ مطلب ثوري ومطلب واقعي ومحق، بمثابة اعتذار رسمي ومنصة انطلاق نحو الاصلاح وتقييم الأداء وقياس الأثر السيء الذي يصنعه المسؤولون كبداية لعملية إصلاح إداري ووظيفي شامل، فليس من السهل المرور عن التفوهات واعتبارها تمضي إلى حال سبيلها دون أن تترك أثرها التراكمي، كونها لا تمضي إلى على الاطلاق بل تتراكم فوق بعضها طبقات وتبني الفجوات التي أصبحت في طريقها نحو المأسسة، هذا التراكم الكمي أدى إلى الحالة التجريدية التي نقف على نهايتها.

لا بد ان يدفع كل من يخطئ الثمن، وليس مجرد خبر يسير ويمضي، ليس من السهل ان تشتم وتلعن وتشتم من جعل القضية مهمة ولها موقع وقبلة للمتضامنين واستشهد من اجلها مئات الالوف، لأن الذل صعب وموجع.

لا يمكن تجاهل زلة اللسان مهما كانت دوافعهاعندما تمس أمهات الشهداء اللواتي تغلبن على أحزانهن وفقدهن فلذات أكبادهن، بل نحيي عواطفهن الجياشة التي رغم المأساة لم يطحنهن الهوان ولم يتكيفوا مع واقع العبيد.

البث المباشر