بحماسة وشغف، ينتظر الفلسطينيون قطف الزيتون "أبو المواسم" فهم يجددون حكايات وطقوس توارثوها عند أجدادهم وقت الحصاد.
حالة استنفار تبدأ في أكتوبر/ تشرين الأول بين المزارعين ومن يمتلك أراضي تضم شجر الزيتون، فهم يهجرون بيوتهم متوجهين إليها لتبدأ الطقوس وإن خفت تلك العادة قليلا، لكن لايزال يتشارك الجميع في هذا الموسم.
ما بين "جد" الزيتون لرصه وتخزينه و"بره" لعصره "زيتا" يتشارك الكبار والصغار، بمشاركة النساء اللواتي يصنعن الطعام لاسيما الأكلات الشعبية كالمناقيش بالزعتر المغمورة بزيت الزيتون، وإبريق الشاي المختلطة رائحته بورق الزيتون.
أما الجدات يرددن أهازيج حفظتها ذاكرتهن من أمهاتهن عندما كن صغيرات "على دلعونا"، بارك يا ربي شجر الزيتونا، زيتون بلادي ما أزكا حباته ما أحلى شكله وما أغلى زيتانه".
قبل بدء الموسم بأسابيع يتردد الباحث في التراث حمزة العقرباوي على أرضه ويتفقد شجرات زيتونه، ويحاول الاهتمام بها كما فعل جده ووالده.
يقول العقرباوي عن موسم الزيتون: "قطاف الزيتون من أهم المواسم الزراعية في فلسطين "خبز وزيتي عمارة بيتي" والقمح والزيت سبعين في البيت"، واصفا إياه بموسم البركة.
ويحكي أن الزيتون ليس شجرة فحسب، بل هي شرف لكل فلسطيني أن يمتلكها لأنها تذكره بالأرض وضرورة التمسك بها.
ويعلق محب الأرض: "موسم الزيتون مثل اللي عنده عرس وحفلة (..) نتجهز لموسمه الذي يذكرنا بأهالينا وأرضنا التي سرقها المحتل (..) أشعر أن أرض الزيتون تشتاق لي كما اشتاق لها ومع ذلك فإن العمل في الأرض ليس سهلا وموسم الزيتون ليس رومانسيا بل شريف يطعمك لقمة هنية".
ويضيف: "النوم تحت شجرة الزيتون يشعرك بحب البلد، ورائحة أوراقها تشبه البلد (..) وقت بدء الموسم ينتقل الناس من قلب القرية إلى أطرافها"، لافتا إلى أن اليوم اختلفت العلاقة قليلا بين أرض الزيتون ومالكيها خاصة ومنهم يعتمد على الآلات لممارسة تلك الطقوس".
ممارسة طقوس استقبال شهر "البركة" – الزيتون- تتشابه في كل القرى الفلسطينية، لكن يصحبها الكثير من المنغصات بسبب جنود الاحتلال (الإسرائيلي) الذين يسرقون ومستوطنوه الزيتون أو يحرقون أشجاره ويدمرون الأرض ضمن سياسة التهجير والاستيطان.
وتتركز أشجار الزيتون في محافظات: نابلس، وجنين، ورام الله والبيرة، وطولكرم، وسلفيت، وتعطي ثمرها بعد 5-10 سنوات من غرسها، ويتراوح معدل ما تنتجه الشجرة متوسطة الحجم بين 20-30 كيلو غرام من الثمر، وتمتاز الشجرة بظاهرة المُعاومة (تبادل الحمل)، ففي السنة الأولى يكون الحمل غزيرًا وتسمى السنة بـ(الماسية)، وفي العام التالي يكون المحصول خفيفًا، ويطلق عليه (شلتوني)، ويمكن التخفيف من هذه الظاهرة بالخدمة المناسبة من تقليم وري وعناية.
ذكريات وارتباط بالموسم
وتعد شجرة الزيتون الأولى من حيث العدد في فلسطين، إذ تستحوذ على 67,3% من إجمالي الأشجار، وتحظى الضفة الغربية بالنسبة الأكبر من محصول الزيتون التي تبلغ 88,2% والباقي في غزة.
في غزة وتحديدا بلدة بيت حانون، اعتاد الشاب عاصم الذهاب برفقة إخوته وأبناء عمه إلى الأرض التي ورثوها عن جدهم قبل سنوات، فطيلة موسم الزيتون يقضون إجازتهم هناك، رغم أنهم يعملون لكن كل عام باتوا يتشاركون في "جد" الزيتون" ورصه وبره لعصره.
يستذكر جده حين كان يحثهم على الذهاب للأرض، التي تعلقوا تدريجيا بها وأصبحوا يقضون أوقاتا طويلة فيها، وينتظرون بفارغ الصبر موسم الزيتون تحديدا.
يقول: "نحصل زيت وزيتون في كل موسم، فهو موسم البركة كوننا نجتمع ونرتبط ببعضنا البعض"، مضيفا: استذكر جدتي السبعينية التي رحلت كيف كانت تعد لنا الأكل على الحطب وكان مذاقه مختلفا، كما أنني لا أنسى أقراص الزعتر المغموسة بالزيت الطازج.
ويتابع ضاحكا: ستي كانت تغني أغاني ترتبط بالزيتون لا زلت أردد القليل منها.
ومن الأمثلة الشعبية التي يرددها الفلسطينيون والخاصة باستعمال الزيت: الزيت في العجين ما بيضيع" بمعنى أنه يكسبه ليونة وطراوة ونكهة الزيت البلدي المحببة، و"الزيتون شيخ السفرة".
وفي أهمية الزيت الاقتصادية يقول المثل الفلسطيني: "لزيت ملك المعاجز" أي فوائد كثيرة.
والمثل الأشهر "خلي الزيت في جراره تتيجي أسعاره"، كناية على قيمة ثمن الشيء أو الأشخاص، وأيضًا "إذا أمك في البيت إيدك في جرة الزيت" و"اللي أمه في البيت بوكل خبز وزيت" بمعنى من كانت أمه في البيت فلا خوف عليه ويشير المثل أيضًا إلى أن المرأة هي فارسة الأمن الغذائي وسيدته.