أ. يوسف علي فرحات
ذكرت في الحلقة السابقة بعض الأمور التي تجب على العلماء والمربين تجاه القدس ، وها أنذا في هذه المقالة أذكر أموراً أخرى منها
سادساً : التأكيد دائماً على ضعف كيد الكافرين من اليهود والصليبيين :
فهؤلاء مهما عظمت قوتهم فإن سعيهم في ضلال مبين ، وقوتهم هزيلة أمام قوة رب العالمين ، فالله تعالى يقول : [أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ] {البقرة:165} . فمهما كان هذا الكيد و الجهد في حرب الإسلام والمسلمين ومهما اتبعوا من وسائل فإن الله تعالى يقول : ] الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [
( النساء : 76 ) ، فالمسلم صاحب عقيدة ، وصاحب مبدأ ، ويكفيه هذا فخراً ونصرًا ، ]
فَقَاتِلُوا أُوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [ ( النساء :76 ) ، إذاً فهو كيد ضعيف ، لكن ما دام حال المسلمين أضعف ، فلا شك أن كيد الشيطان وأوليائه سيكون أقوى رغم ضعفه وهوانه وحقارته ، لكن إذا عملوا وأخذوا بقانون النصر، فقد قال تعالى : ] ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ [ ( الأنفال : 18 ) .
سابعاً : لا بد أن يغرس العلماء في النفوس سنة الله في النصر والهزيمة والتداول والابتلاء :
يجب على العلماء أن يبصروا الناس ، بأن هذا الكون تحكمه جملة من السنن والقوانين ومن هذه القوانين قانون النصر ، فالأمة لا يمكن أن تنتصر بالسنن الخارقة وإنما تنتصر بالسنن الجارية ، فهذا الدين أنزله الله للبشر ، ولا ينتصر إلا بجهد البشر ، وحينما يستنفذ البشر طاقتهم البشرية والأخذ بقانون النصر حينها تتدخل السنن الخارقة لحسم المعركة مع العدو . لذلك لما هوم المسلمون في معركة أحد وهم خير البشر حمَّلهم القرآن مسؤولية الهزيمة ، كما قال [أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] [ آل عمران:165]
كما ذكر تعالى أن من السنن الكونية سنة التداول ، فيوم لك ويوم عليك ] وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ [ [ آل عمران : 139-141 ] .
ثامناً : المقاطعة الاقتصادية :
تُعد المقاطعة الاقتصادية سلاحاً فعالاً من أسلحة الحرب قديماً وحديثاً ، وقد استخدمه المشركون في العهد المكي في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فآذاهم إيذاءً بليغاً حتى أكلوا أوراق الشجر . كما استخدمه بعض الصحابة في محاربة المشركين في العهد المدني .
من هنا وجب على العلماء أن يحرضوا الجماهير المسلمة على مقاطعة البضائع الصهيونية ولاسيما خارج فلسطين ، وكذلك مقاطعة البضائع الأمريكية ، فأمريكا اليوم هي إسرائيل الثانية . ولولا التأييد المطلق والانحياز الكامل للكيان الصهيوني الغاصب ما استمرت إسرائيل تمارس عدوانها .
فقد آن الأوان لأمتنا الإسلامية أن تقول : لا لأمريكا ولشركاتها ولبضائعها التي غزت أسواقنا . ولقد قال علي رضي الله عنه : ثلاثة عدوك : عدوك وصديق عدوك وعدو صديقك ..
تاسعاً : دور المعلم والمعلمة في المدرسة والكلية والجامعة :
فمثلاً : أين معلمو التاريخ عن تاريخ القضية ؟ وحقيقة اليهود ؟ والإفادة من
دروس التاريخ وعبره ، وتوجيه الطلاب والطالبات لحقيقة الصراع ومكانة القدس وما تتعرض له من اعتداءات يومية ؟
لقد أثبتت أحداث الصراع مع الصهاينة جهل الكثيرين من المتعلمين والمتعلمات بأصول وبدهيات القضية الفلسطينية بصورة عامة وما يتعلق بالقدس بصورة خاصة . لذا يجب على الأساتذة والمدرسين كل في موقعه أن يحملوا همِّ تعريف طلابهم بقضيتهم الإسلامية ، بالذات أساتذة التاريخ والعلوم الشرعية واللغة العربية ؛ فأين أستاذ اللغة العربية مثلاً من استغلال حصة التعبير بتدريب الطلاب على كتابة المقالات التي تعبر عن انتماءهم للقدس والأقصى ؟ وأين معلم الجغرافيا من تعريف الطلاب بموقع فلسطين والقدس ، ومساحة الأراصي التي اغتصبها اليهود وحجم الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى ، وكم نسبة الأراضي المتبقية مما اغتصبه اليهود المعتدون على أرض المسلمين الطاهرة .
وماذا لو جعل معلم التربية الفنية حصصاً يطالب الطلاب برسم يحكي هذه القضية من خلال رسم المسجد الأقصى ، كذلك رسم وتصوير الهم الذي يعتلج في ذهن الطالب ، ورسم بعض الرسومات التي تعبر عن عزة وقوة المسلمين ، وأن النصر والتمكين لهم مهما طال الزمن ؟ وأين دور النشاط اللامنهجي عن المسابقات والندوات عن القضية ؛ فمثلاً مسابقة وجائزة على أفضل ثلاثة أفكار أو ثلاث وسائل لنصرة المسلمين في فلسطين والدفاع عن القدس ، وأيضاً دور الطلاب الكبار والصغار في الإذاعة المدرسية ؛ وذلك بغرس هذه القضية في قلوبهم وجعلها همهم الأكبر ، وجعل برامج الإذاعة عن القضية ، وواجب الطلاب ودورهم تجاه إخوانهم ؟ فكم سيكون لها أثر في نفوس الطلاب ، وهكذا عندما يتكاتف المعلمون في
جميع تخصصاتهم ، فسيكون لهذا ثمرة ناضجة ويانعة هي العداء لليهود ، واليقين بنصرة الله للمسلمين ، خاصة إذا حُركت الهمم ووجهت العقول أن الدين سوف ينتصر بمشيئة الله على أكتافهم وسواعدهم .
عاشراً : دور الآباء والأمهات :
مما لا شك فيه أن الآباء والأمهات من أكثر المحاضن التربوية التي تؤثر في الأجيال ، لذا يجب على هؤلاء أن يجعلوا قضية فلسطين والقدس هي حديثهم ، وأن يزرعوا العداء لليهود في نفوسهم الجيل ؛ أما سمعتم بذلك الطفل الذي سمع ورأى كثيراً من أخبار المتبرعين والمتصدقين لنصرة أهل فلسطين ، فقال لوالده : بابا ! أريدك أن تشتري لي حصالة كبيرة . قال له والده : لماذا ؟ قال : أجمع فيها فلوسًا كثيرة ونوصلها بالطيارة لفلسطين .
فرفعت رأسي إذ بشبلٍ شامخٍ خجلتْ لفرط علوّه الأجرامُ
فسألته : من أنت ؟ قال بعزةٍ أنا مسلمٌ وشعاري الإسلامُ
حادي عشر : تكرار قصص الشجاعة والبطولة على مسامع الناس والتشويق للجهاد
وذلك من خلال تذكير الأجيال بالقدوات الحقيقية في الأمة ، مثل : أحمد ياسين ذلك البطل المعاق أسطورة الجهاد المعاصر ، ومن القدامى صلاح الدين ونور الدين محمود ، الملقب بالشهيد ، والذي ذكر عنه أبو شامة قال : « .. بلغني من شدة اهتمام نور الدين - رحمه الله - بأمر المسلمين ، حين نزول الفرنج على دمياط ، أنه قُرئ بين يديه جزء حديث له ، كان له به رواية ، فجاء في جملة تلك الأحاديث حديثٌ مسلسل بالتّبسم ، فطلب منه بعض طلبة الحديث أن يبتسم ليتمّ السلسلة على ما عُرف من عادة أهل الحديث ، فغضب من ذلك ، وقال : إني لأستحيي من الله تعالى أن يراني مبتسماً ، والمسلمون محاصرون بالفرنج ». [سير أعلام النبلاء 20/538 ]