وراء كل رحيل قصة، ولكن رحيل الشهداء فيه عشرات القصص، حزن مخلوط بالفرح، ظهر جليا على وجه الصحافية فرح قيم وهي تودع شقيها حمدي الذي استشهد بالأمس ثم ترتفع في السماء زغرودتان من قلب يملأه التعب والحزن، ومن بين الدموع وتحث النساء على فعل ذلك.
في واحدة من المجموعات الإخبارية عبر تطبيق واتساب يعتمد عليها الصحافيون في الحصول على المعلومات الإخبارية، أو كما كتب أحد الزملاء في تلك المجموعة:" نتبادل كل واحد منا المعلومات، وفجأة ورد خبر عن استهداف سيارة في رأٍس العين بطائرات الاحتلال، وإذا بفرح القيم تسأل في المجموعة الإخبارية عن وقوع شهداء وأسمائهم وكانت الإصابة قد وصلت مستشفى رفيديا الحكومي جثة متفحمة".
كررت فرح سؤالها، مرة ومرتين، ما أثار استغراب المجموعة، ثم سألت ما إذا كان أحد الشهداء اسمه حمدي، وكأنها كانت تتوقع أن يأتي هذا اليوم عاجلا أو أجلا، وكان هو فعلا، شقيقها الذي تحول إلى الخبر الذي لم تستطع فرح القيم تغطيته، لأنها غابت في تلك اللحظة عن التغطية.
أما والده فقد كان يشد الصبر ويربطه حول رقبته وكأن كل صبر الدنيا قد اجتمع في كلمات الأب حينما قال:"" كل العرين أولادنا، فدا الوطن، هدول أولاد أبو عمار، الله أخد والله بعطي، والله بعوض، والحمد لله المسيرة شغالة، وأولاد حمدي صابرين، كلنا صابرين".
ويتابع الأب:" كان يعمل دائما على خدمة الناس، يساعد المحتاجين، يعمل حتى في يوم الجمعة على مساعدة الناس".
حمدي القيم (30 عاما)، شاب من شباب العرين يعمل سباكا في مدينة نابلس، ومتزوج وله طفلان، كان متوجها إلى حيث المواجهات في سيارته، حينما تعرضت سيارته لانفجار غامض وارتقى شهيدا.
وحدادا على أرواح شهداء نابلس الخمسة وسادسهم في رام الله، عمت المسيرات البلدات والمخيمات الفلسطينية، بما في ذلك وسط مدينة رام الله ومخيم قلنديا ومخيم جنين تضامنا مع نابلس، وجابت الشوارع، وسط ترديد هتافات تندد بجرائم الاحتلال، وتثني على المقاومة.
وتطورت المسيرات حتى تحولت إلى مواجهات في بعض المناطق من الضفة الغربية، تنديدًا بعدوان الاحتلال (الإسرائيلي) على مدينة نابلس.
ودعت لجان المقاومة الشعبية والقوى والفصائل إلى الاحتشاد والخروج بمسيرات ترفع الأعلام الفلسطينية.
ونامت نابلس ليلة حزينة وهي تعلم تماما أنها لن تكون الليلة الأخيرة لاقتحام مدرعات الاحتلال، فطالما بقي هناك نفس لعرين الأسود في المدينة سيظل الاقتحام، وستظل نابلس محاصرة، ولكنها ستظل صامدة صمود تاريخها الطويل.