قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أحداث تونس ( العلمانية في قفص الاتهام من بورقيبة إلى ابن علي )

 لعل الحدث الأكبر الذي وقع في العالم العربي مع بداية العام 2011م ثورة الشارع التونسي ضد نظام ( زين العابدين بن علي ) . ولعل تطور الأحداث بصورة متسارعة يدلل على مدى حالة الاحتقان والكبت التي كان يعيشها الشعب التونسي في إطار نظام ( ابن علي ) العلماني

فقد اقتنع التونسيون وبعد صبر طويل أن لا سبيل أمامهم للحصول على حقوقهم المسلوبة سوى الانتفاض وعدم قبول الواقع المهين ، أدركوا أنهم ميتون ، وإن كانوا أحياء .

لقد استقر في نفوس التونسيين أن لا أمل في نظام مستبد وحاكم طاغية تسانده زمرة من المنتفعين وتشد من أزره دوائر غريبة بعينها .

إن ثورة الشعب التونسي لم تكن ضد الجوع فحسب  بل كانت ضد الظلم و الاستبداد و القهر والاستغلال وقمع الحريات

لقد كان لنبأ إقدام الشاب الخريج الجامعي محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسمه أمام مقر محافظة سيدي بوزيد وقع الصاعقة، و كان بمثابة شرارة الانطلاق لمخزون من الغضب والمقت ظل يتراكم خلال العقدين الأخيرين، فسرت كالنار في الهشيم انتفاضة الجياع، على امتداد المنطقة، فهب الناس في غضبة عارمة ، ليسقط على إثرها الطاغية ( ابن علي ) ، والذي حكم تونس على مدار ثلاثة وعشرين عاماً بنظام علماني ديكتاتوري ، قمعت فيه الحريات وزج بآلاف الأحرار في السجون وحورب فيه الإسلام .

لقد ورث ( ابن علي ) العلمانية والديكتاتورية من سلفه ( الحبيب بورقيبة ) والذي كان معجباً بشخص ( كمال أتاتورك ) حتى أنه أطلق اسمه على عدة شوارع في تونس . بل إن هذا الرجل كان يضمر كرهاً واحتقاراً للإسلام ولكتابه ونبيه ، حتى أنه قال لبعض خواصه : إنه سيعمل على  تغيير عقلية التونسيين الذين يتبعون رجلاً أمياً لم يكن يتلو من كتاب ، ولا يخطه بيمنه ( يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ) ويدَعون اتباع رجل تخرج من السربون ( يعني نفسه ) .

 لقد حاول ( بورقيبة ) ومن بعده ( ابن علي ) أن يجعلا من تونس نموذجاً تركياً أو أوربياً ، فاتخذا جملة من الإجراءات وسنَّا مجموعة من القوانين ساهمت في كبت الحريات والاستخفاف بالدين ، وقمع العلماء ، ودعاة الإسلام ومن ذلك :

1- اعتبار عدد الزوجات ممنوعاً ، وكل من تزوج وهو في حالة الزوجية ، وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين . والعجيب أن القانون التونسي الذي يعاقب على تعدد الزوجات ، هو نفسه يبيح الزنا ولا يعاقب عليه . والجدير بالذكر أن هذا القانون قد صدر بعد الثورة عام 1957م مباشرة

2- لقد تعمدت الحكومة التونسية مخالفة الشرع حيث سنت في 4مارس 1958 قانوناً يجيز التبني مادام المتبني شخصاً رشيداً ذكراً أو أنثى متزوجاً متمتعاً بحقوقه المدنية . مع العلم أن المذاهب الإسلامية كافة قد أجمعت على حرمة التبني [ راجع : مجلة الأحوال الشخصية التونسية ]

3-    إلغاء المحاكم الشرعية وإغلاق الديوان الشرعي وتوحيد القضاء التونسي [ الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ، العدد 77]

4-  إغلاق جامع الزيتونة الأعظم - وهو أعرق جامعة إسلامية – وحظر التعليم الشرعي فيه بموجب أمر عام 1961م .

5- حل كافة الأوقاف والأحباس الشرعية الموقفة على جامع الزيتونة وطلابه وعلمائه وعلى غيره من المساجد والمؤسسات الخيرية الأهلية ، بل القيام بتحويل بعض المساجد الصغيرة إلى مستودعات ومخازن . [ راجع كتاب " تونس الإسلام الجريح " محمد مصطفى الزمزمي ص48]

6-  الدعوة إلى تحريم صوم رمضان على الشعب التونسي بدعوى أن الصوم يقلل الإنتاج ويعوق تقدم تونس ونهضتها .  [ المصدر السابق ص 48]

7-  تفتيت الأسرة التونسية وقطع الأواصر العائلية ، وذلك من خلال سن قوانين إلغاء القوامة باعتبارها إهانة للمرأة ، وقانون الحد من السلطة الأبوية ، وقانون حق الزوجة في الحياة بغض النظر عن سلوكها الأخلاقي : يقضي بإعدام الزوج الذي يضبط زوجته متلبسة بالزنا إذا دفعته غيرته فقتل الزاني أثناء خيانته في بيته .

8- تحريم اللباس الشرعي على المسلمات بدعوى أنه لباس طائفي يرمز إلى مذهب متطرف هدام . منافي لروح العصر ، وسنة التطور السليم . وبناءً على هذا القانون أصبحت النساء التونسيات المصونات عرضة لمطاردة الحكومة لهن ، حيث بلغ من جرأة النظام التعدي على النساء العفيفات في الطرقات وهتك أعراضهن ومنعهن من دخول المؤسسات وحتى المشافي للعلاج .

9- إصدار قانون يقضي بحظر الدروس والحلقات القرآنية في المساجد . وتنفيذاً لهذا القانون نصبت الحكومة فرقاً من الشرطة لمراقبة المساجد ، فلا تفتح إلا بمقدار عشرين دقيقة في وقت كل صلاة ، تقوم بعدها الشرطة بإخلاء المساجد وطرد المصلين .

10-اعتبار مجرد مواظبة الشباب على الصلاة في المساجد دليل تطرف يقضي باتهامهم – جزافاً – بالانتساب إلى جمعية غير مرخص فيها . وقد أدى ذلك إلى خراب المساجد وخلوها من الشباب .

   11- اعتقال مئات النساء والفتيات المتدينات وتعذيبهن ومحاكمتهن وإيداعهن السجون من غير جريرة ، غير ارتداء اللباس الإسلامي وأداء الصلاة . الأمر الذي أفضى إلى إصابة العشرات منهن بانهيار عصبي وجنسي بشهادة المنظمات الإنسانية . [ راجع تقرير منظمة العفو الدولية ، الوثيقة رقم 93/2/30 تاريخ 30 حزيران 1993هـ ]

 12- تعميم نوادي الرقص المختلط في جميع المدن والقرى التونسية والأرياف والأحياء ، وترغيب الشباب من الجنسين على الانخراط فيها ، وترهيب أوليائهم من مغبة التصدي لهم .

 13- التحريض على إشاعة السحر والشعوذة والكهانة ، وذلك بمنح التصاريح بفتح مكاتب للكهان والسحرة ونشر إعلاناتهم في الصحف والدوريات الأمر الذي أدى إلى زعزعة عقيدة التوحيد في قلوب الناس . [ انظر: الزمزمي ، تونس الإسلام الجريح  ص 341- 344]

13- نشر الدعارة والانحلال باسم الثقافة ، وبإشراف وتمويل من وزارة الثقافة . فقد تم تصوير عدة أشرطة سينمائية جنسية خليعة ، منها شريط صُور في حمام للنساء وهن عاريات تماماً وشاب مراهق بينهن يتفرس في عوراتهن . وقد اعتبر هذا الشريط من مفاخر تونس ، لذا قام الرئيس ( ابن علي ) بمنح أصحابه جائزة الدولة ووسام الثقافة . [ انظر : الزمزمي ص 323] كما شجعت الحكومة على فتح المهاجع الجامعية المختلطة مما أفضى إلى وقوع كارثة جنسية وخلقية في الجامعات التونسية ، حتى أصبحت الدوائر الجامعية توزع جهاراً العازل المطاطي على الطلاب والطالبات . وعلى صعيد آخر قامت الحكومة بإعطاء التصاريح بفتح دور للدعارة والبغاء العلني في الكثير من محافظات القطر التونسي .

14- تشجيع حركة الصهينة والتهويد لتونس ، بدءاً من اعتراف حكام تونس بدولة الكيان الصهيوني ، وإقامة علاقة سفيرية مع هذا الكيان ، وانتهاء بالتطبيع القهري في التعليم والثقافة والتشريع والإعلام .

15- نشر موجة الإلحاد والزندقة والاستهتار بالمقدسات في المحافل العامة والمجالس الرسمية والمنشورات الأدبية ، كل ذلك بمباركة الحكومة .

لهذا كله ثار الشعب التونسي وبارك ثورته جميع أحرار العالم ، حتى الحكومات التي كانت حليفاً لابن علي ، ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى الرئيس الطاغية الليبي معمر القذافي ، الذي أسأل الله أن تكون نهايته قريبة .

 

البث المباشر