رافق الغموض قضية اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات وملابساتها منذ اللحظة الأولى لارتقائه، خاصة مع إصرار السلطة الفلسطينية تبهيت قضية التحقيق.
يرصد التقرير 3 لجان تحقيق شكلّت في أجهزة مختلفة؛ لم تحظ بجدية بحسب أصحابها، والمسؤولين عنها، ولم تكن أكثر من مجرد شكليات لا تحمل في طياتها الضبطية القضائية أو مسؤولية الملاحقة.
لجنة المخابرات
اللجنة الأولى شكلها رئيس جهاز المخابرات توفيق الطيراوي، وضمّت مجموعة من ضباطه، يكشف أحد أعضائها وهو فهمي شبانة مسؤول الأمن الخاص السابق بالجهاز، أنها لم تستمر طويلا، ووضعت بعض الأسس فقط.
وبين أن اللجنة استمرت فترة وجيزة، ثم توقفت بعد ذلك، عقب تشكيل محمود عباس رئاسة الوزراء، وتعيينه رئيسا مختلفا لجهاز المخابرات.
لم تتمكن اللجنة -بحسب شبانة في حديثه لـ"الرسالة نت"- من توجيه أصابع دقيقة للاتهام، فهي عملت فقط على وضع الأسس التي يمكن الانطلاق منها، ثم توقف عملها، ليحال بعدها شبانة للتحقيق عقب كشفه وثائق تثبت فساد مقربين من عباس.
اللجنة الحكومية!
بالتوازي، قرر أبو علاء قريع رئيس آخر حكومة قبيل اغتيال عرفات، تشكيل لجنة حكومية برئاسة وزير الصحة السابق د. جواد الطيبي، الذي كان يتقلد رئاسة آخر وزارة صحة في عهد عرفات.
يقول الطيبي لـ"الرسالة نت" إنّ اللجنة كانت تحاول الوقوف عند أسباب الوفاة فحسب، ولم يكن لديها الصلاحية الضبطية ولم تستطع أن تستجوب أحدا، ولم يكن لديها الصلاحيات ولا الأدوات التي تؤهلها لذلك.
ويشير الطيبي إلى أن عمل اللجنة انتهى بتشكيل حكومة عباس وتعيين وزير صحة آخر، وانتهت اللجنة دون أن تصل لشيء.
لجنة الطيراوي
بعد عام من انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح عام 2009، كشف توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عن تكليفه ببدء تشكيل لجنة تحقيق بناء على قرارات المؤتمر، أي بعد 6 أعوام على استشهاد الراحل عرفات.
وأكد الطيراوي في وثيقة مسربة له أثناء شهادته في تحقيق وفاة عرفات، أن اللجنة المركزية لحركة فتح لم تـسأله يوما عن عمل اللجنة، وأن ثمة تأخير متعمد في تشكيلها، فيما لم تتعاون معه أي جهة من الجهات الأمنية بما في ذلك جهاز المخابرات.
وكشف الطيراوي في تصريح مقتضب لـ"الرسالة نت" أن لجنته تمتلك أكثر من 200 شهادة تقريبا خلال عملها.
وذكر أن اللجنة شُكلت بعد عام من قرار المؤتمر (يقصد مؤتمر فتح السادس) وهذا دليل عدم الجدية.
وبحسب الطيراوي، فإنه تقدم بموازنة لمكتب اللجنة 3500 دولار مصروفات نثرية وبنزين..الخ، وأرسل رسالة للدكتور اشتية في شهر فبراير بصرف عشرة آلاف دولار، "ليذهب المحققون لمقابلة المتواجدين بالخارج، ولكن لم يتم الاستجابة لهذا الطلب".
ويضيف "عندما قابلت الرئيس وقلت له أنني طلبت من اشتية.. قال لي أنا سأدفعها.. ومنذ ذلك الحين إلى الآن لم يصلني شيء حتى اضطررت قبل أسبوع لأخذ قرض من بنك القدس بمبلغ مئة ألف دولار بكفالة شقيقتي التي تمتلك دونمي أرض.. حتى أؤمن المال للذهاب إلى الخارج، لأنني أعلم أن الفشل في النهاية سأتحمله أنا".
"علينا أن نعمل ولا أريد انتظار أحد أن يعطينا المال.. بل سأحضر المال أنا وأدفعه وعندما يحضروا المال نسدد، وأنا كنت أعني بكلامي عندما قلت أننا مستعدون أن نذهب لآخر الدنيا من أجل الحقيقة وهذا القرار وقّعنا عليه جميعاً"، كما يقول الطيراوي.
واشتكى الطيراوي من عدم اهتمام الأجهزة الأمنية بمراسلات لجنة التحقيق التي بعثت لهم بطلب بحوث أمنية عن أشخاص، كما أن عددا من أفراد الأجهزة الأمنية الذين يتحدثون اللغة الفرنسية رفضوا أن يكونوا متواجدين عندما حضر الوفد الفرنسي المكلف بالتحقيق في حادثة اغتيال عرفات.
لجان صورية!
يجمع مسؤولو اللجان السابقون على أنّ عمل اللجان لم يتعد دور الاستماع فقط، وأنها لم تكن لجنة تحقيق عملية خاصة وأنها لم تحظ بالضبطية القضائية بعدما رفض النائب العام المشاركة فيها، وسحب ممثليه منها.
ويصف بسام أبو شريف مستشار ياسر عرفات عمل هذه اللجان بـ"المهزلة"، مضيفا: "هذه لم تكن لجان تحقيق، هي ترصد أقوالا واستماعات فقط، قائلا: "لم يكن هناك لجنة حقيقية مخوّلة بالتحقيق والضبطية القضائية".
ويشير أبو شريف لـ"الرسالة نت" إلى أنّ طريقة عمل اللجان تؤكد عدم وجود قرار للتوصل للجناة ومعرفة حقيقة ما يدور.
ويشدد أبو شريف على أنّ هذه اللجان هي محاولة لدفن الجريمة بشكل مختلف، خاصة أن المقربين من عرفات جرى تسفيرهم وترحيلهم بطرق غير مفهومة ولا أحد يعرف شيئا عنهم.