تعتبر "الحدائق التوراتية" من أخطر المشاريع التهويدية على القدس، التي تستهدف طمس حضارتها العربية الإسلامية، وتزوير التاريخ والجغرافيا، ومحو الآثار الفلسطينية، وتغيير طابعها التاريخي، لأجل إحكام السيطرة على أهم المناطق الاستراتيجية بالمدينة.
ومع بدايات الاحتلال لشرقي القدس، وتحديداً عام 1970، انطلقت فكرة الحدائق، لكن حدتها تصاعدت في السنوات الأخيرة، وتركزت في المحيط الملاصق للمسجد الأقصى وسور القدس التاريخي، وحول البلدة القديمة والمناطق المطلة عليها من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية.
وتعد الحدائق التوراتية من أخطر المشاريع التهويدية على القدس، فهي كالإخطبوط يمتد من بلدتي سلوان وجبل المكبر جنوبا، إلى العيساوية وجبل المشارف شمالا، وراس العمود وبلدة الطور شرقا، إلى برك سليمان وماميلا غربا.
ويسارع الاحتلال في إقامة "الحدائق التوراتية" لتشكل تجسيداً لبنود ما يسمى "صفقة القرن"، التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سابقاً، وتضمنت أن البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى "تمثل إرثاً حضارياً وتاريخياً ودينياً للشعب اليهودي"، لذلك بدأ بتغيير طابعها وتهويدها.
وقطعت سلطات الاحتلال شوطا كبيرا في مشروعها التهويدي على حساب مصادرة ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في القدس بمساحة 5 آلاف دونم وبميزانية مليار شيكل لأجل إقامتها، وكان بعضها أملاكا خاصة.
ولا توجد إحصائية بعدد الحدائق التوراتية في مدينة القدس، لكن هناك سبعة منها تخنق المدينة القديمة وتمنع السكان العرب من البناء في المنطقة بهدف الترويج لرواية الاحتلال التلمودية وربطها بحقبة الهيكل المزعوم لغسل أدمغة الزوار (الإسرائيليين) والسياح الأجانب ومحاكاة حضارة يهودية موهومة.
هدم القصور الأموية والقبور
ويأتي مخطط الحدائق ضمن مشروع "أورشليم حسب الوصف التوراتي"، لجعل محيط البلدة القديمة والأقصى محاصراً بسلسلة من الحدائق والمسارات التلمودية، من خلال تغيير معالم المنطقة بأعمال الحفريات والتجريف، وبناء مسارات وأرصفة وممرات ومواقف لحافلات السياحة، وبزراعة الأشجار والورود.
وتعتبر بلدة سلوان من أكثر المناطق التي تنشط فيها الحدائق، كونها محاذية للمسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، وتشكل خط الدفاع الأول عنه.
وعند النظر جغرافيّاً إلى هذه الحدائق، فهي أراض خضراء مفتوحة يعمد الاحتلال إلى زيادة مساحتها على حساب الأراضي المتبقية للمقدسيين أصحاب الأرض، وهي أكثر الوسائل استخداماً لنزع الأراضي من المقدسيين.
وعملت بلدية القدس بعد صفقة القرن على إنشاء الحدائق في أجزاء من منطقة القصور الأموية، وبعض المناطق التي سُوّيَت أراضيها ونُقلَت ملكيتها لليهود، كأنها "أراضي دولة"، في حين تضمنت المرحلة الثانية العمل على هدم الآثار في القصور الأموية وتحويلها إلى مسارات تلمودية، وتوسعة منطقة حائط البراق وتعديلها لتناسب الروايات اليهودية.
ويبدأ إنشاء الحدائق التوراتية، بتحويل الأراضي الفلسطينية إلى ثكنة عسكرية يصعب دخولها على المقدسيين، وبالتالي يحقق الاحتلال هدفه بطرد الفلسطينيين من المكان وتسخيره لخدمة المستوطنين.
ووفق تقارير فلسطينية فإن الهدف من إقامة الحدائق التوراتية التلمودية هو زيادة هدم منازل الفلسطينيين وعدم السماح لهم بالبناء في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، فضلاً عن تهجير السكان وعرقلة التطور الاقتصادي والإنساني وتضييق الخناق على المقدسيين بالمنطقة.
ولم يقتصر دور سلطات الاحتلال على سرقة أراضي الغائبين لإقامة حدائق توراتية عليها، بل تواصل عبر مخططها لإفراغ القدس من الوجود الفلسطيني بزيادة الحفريات والأنفاق باتجاه البلدة القديمة والأقصى، وتقليل مساحات القبور الإسلامية وزيادة اليهودية.
أبرز الحدائق التوراتية
الحديقة التلمودية المحيطة بالقدس القديمة (1100 دونم)
أعلن عنها الاحتلال (الإسرائيلي)، كجزء من مخطط لتهويد محيط البلدة القديمة حمل اسم مخطط ع م/9، وصودق على هذه الحديقة التوراتية عام 1974 لكنها ظلت تستعمل كأساس ومنطلق لأكبر المشاريع التهويدية حول الأقصى، وهي الحديقة الأكبر والأكثر خطورة على المسجد الأقصى والقدس القديمة ومحيطها الملاصق.
وتصل مساحة هذه الحديقة إلى نحو 1100 دونم، تتركز جنوبي المسجد الأقصى في منطقة حي وادي حلوة/سلوان، ومنطقة وادي الربابة جنوب غرب أسوار القدس القديمة، جزء منها في بلدة سلوان، وكذلك المنطقة الملاصقة لجنوب المسجد الأقصى أو ما يعرف بمنطقة قصور الخلافة الأموية.
ونُفذت في هذه الحديقة وما زالت، أكبر الحفريات (الإسرائيلية) في منطقة القصور الأموية الجنوبية والغربية، وفي مدخل حي وادي حلوة، وهضبة سلوان، وتضم أكبر المشاريع التهويدية مثل 'مركز ديفسون' ومخطط 'مركز قيدم- الهيكل التوراتي'.
كما تشمل هذه المساحة بيوتا سكنية مأهولة بالمقدسيين، أغلبها مهدد بالهدم أو التفريغ والتهجير.
كما تدير أغلب المساحات المذكورة الجمعية الاستيطانية المعروفة باسم 'إلعاد - مدينة داوود'
الحديقة التلمودية وادي الصوانة (170 دونم)
وهي ثاني حديقة صادق عليها رسمياً الاحتلال (الإسرائيلي) في عام 2000، وتمتد على مساحة نحو 170 دونما على السفوح الجنوبية لجبل المشارف، بمحاذاة حي الصوانة وحي وادي الجوز. ويهدف الاحتلال من هذه الحديقة إلى توصيل هذه المساحة مع الحديقة التوراتية المحيطة بالقدس القديمة.
وبنى الاحتلال في هذه الحديقة السواتر والسلاسل الحجرية والترابية، كما زرع الشجيرات وخاصة الزيتون، وشق السبل واستعملها كجزء من المسارات التلمودية حول القدس القديمة والأقصى. ويخطط الآن إلى إنشاء بركة مياه ومركز زوار في جزء من مساحتها، كما أقام في جزء منها (مشروع غربلة تراب 'جبل الهيكل' - المسمى الاحتلالي الباطل للمسجد الأقصى)، ويقوم من خلاله بغربلة التراب الذي استخرج من المسجد الأقصى خلال عمليات ترميم منطقة المصلى المرواني، بهدف إيجاد آثار عبرية فيه.
الحديقة التلمودية السفوح الشمالية الشرقية لجبل المشارف-العيسوية/الطور (730 دونم)
بدأ التخطيط لإقامة هذه الحديقة في عام 2005، حيث مرت بعدة مراحل من المصادقة كان آخرها في العام 2013، وتهدف هي الأخرى لإيجاد تواصل مع حديقة وادي الصوانة.
وتمتد الحديقة على مساحة نحو 730 دونما على السفوح الشمالية الشرقية لجبل المشارف، على تخوم بلدتي العيسوية والطور، في حين تقتطع جزءا من أراضي البلدتين وتشكل نوعا من الحصار المشدد لأي إمكانية للتمدد السكاني الضروري.
'حديقة الملك' التلمودية – حي البستان/وسط سلوان (50 دونم)
مخططة على مسطح مساحته 50 دونما في وسط بلدة سلوان، جنوب الأقصى، وتحديدا في حي البستان المأهول بالسكان، وفيه أكثر من 90 بيتاً مهددا بالهدم.
ويهدف الاحتلال إلى تحويل الموقع الى منطقة سياحية/تراثية ترتبط بالروايات التلمودية عن النبي داوود، وإلى ربط الموقع بالأنفاق والحفريات الممتدة أسفل بلدة سلوان، والواصلة إلى أسفل المسجد الأقصى.
حديقة جبل الزيتون (470 دونم)
تأتي حديقة جبل الزيتون ضمن مخططات الخارطة الهيكلية لبلدية الاحتلال في القدس المعروفة باسم 'مخطط 2000'، وتمتد على مساحة 470 دونم عل السفوح الشرقية لجبل الزيتون، ومتاخمة لحي الشياح وبلدة الطور.
وموقع الحديقة قريب جدا من جهتي الحديقة التوراتية حول القدس القديمة وحديقة وادي الصوانة، كما أنها ملاصقة للوقف الإسلامي على السفوح الغربية لجبل الطور/الزيتون، التي حولها الاحتلال في أغلبها إلى مقبرة يهودية كبيرة جدا.
حديقة 'شمعون هتصديق'- الشيخ جراح (120 دونم)
تقع في قلب حي الشيخ جراح المقدسي، شمال القدس القديمة، والمجاور لحي وادي الجوز وأطراف الموقع قريبة من سفوح جبل الزيتون وحي الصوانة. ومن ضمن مساحته ' كرم المفتي' الذي صادره الاحتلال، ومن المخطط إقامة مشاريع تهويدية في أجزاء من المساحة المذكورة.
حديقة 'باب الساهرة'- (40 دونم)
موقعها قريب من باب الساهرة أحد أبواب البلدة القديمة في القدس المحتلة، من الجهة الشمالية، وتشمل المساحة موقع المتحف الفلسطيني الوطني الذي سيطر عليه الاحتلال عام 1967، وحوله إلى متحف لما يسمى بـ ' سلطة الآثار (الإسرائيلية)' ويُطلق عليه اليوم اسم 'متحف 'روكفلر'، الملاصق لحي وادي الجوز أيضا.