يتوارث الفلسطينيون عاداتهم وتقاليدهم في المناسبات الشعبية، وخاصة موسم الزيتون الذي يطلقون عليه (أبو المواسم) فكل أيامه بركة يصحبها أهازيج ترددها النساء لتشجيع الرجال والصغار على حصاد الموسم، وكل يوم له تقاليده الخاصة حتى آخر يوم الذي يطلق عليها "الجيروعة" –يوم الخاتمة.
وتعني "الجيروعة" أو "الجورعة" أو "الجاروعة"، من الجُرعة بمعنى الحُصة والمقدار، وهي ما يتركه الفلاحون من المحصول خلفهم، ثمَّ صارت وصفاً للطعام الذي يُقدم لفزعة العُونة في اليوم الأخير من موسم الزيتون، حيثُ يجلس الجميع بعد الانتهاء من العمل تاركين بعض المحصول (قمح - زيتون) للفقراء، ويتناولون وجبة من الطعام والبسكوت.
ومع اختلاف الأزمنة وغزو التكنولوجيا لحياة الفلاح، لاتزال تلك العادة محفوظة لدى بعض العائلات، فمظاهر الاحتفال إن خفتت بقيت مقتصرة على فئة قليلة جدا، بسبب التغيير الجوهري في طبيعة المجتمع والاستغناء عن الأرض كمصدر دخل أساسي، كما يقول الباحث حمزة العقرباوي "للرسالة نت".
ويحكي أن الاحتفال بانتهاء موسم الزيتون لازال قائما لكن بشكل بسيط، وورث الفلسطيني هذا التقليد منذ مئات السنين، وأطلق عليه تسمية «الجيروعة" حيث يقوم بتحضير أكلة «المسخن». ويذكر أن من ضمن الأكلات التي كان يحرص صاحب الأرض على Yعدادها بعد الانتهاء من موسم قطف الزيتون، هي "المسخن" التي يدعى إليها كل من شارك في هذا الموسم، من العائلة والأقارب، والعمال، موضحا أن أصل التسمية يعود إلى أن الفلاح الفلسطيني يستخدم أكبر كمية من زيت الزيتون من المحصول الجديد، ليضعها على الخبز والدجاج المكون لأكلة "المسخن" احتفالاً بانتهاء الموسم، وتكريماً لجميع العاملين.
وكما يروي العقرباويK فإن أجواء "الجيروعة" تختلف من منطقة لأخرى، فهناك من يعتمد مكافأة للأولاد من الجدات بإعطائهم شيئًا من المحصول سواء كان قمحًا أو زيتونًا، لبيعه ثم يشترون بثمنه الحلويات كالهريسة والراحة والبسكويت.
ولم تكن "الجيروعة" مرتبطة بموسم الزيتون فقط، بل كان الناس أيضًا "يجيرعون" لنهاية أي موسم، كالحصاد مثلًا، فيشترون القُطّين "تين مجفف" والحلويات من أجل الأكل أو التوزيع على من حولهم، فأول صاع يملأ بالزيتون أو أي محصول آخر يبيعونه ويشترون به الحلو ويوزعوه.
كما أن الحيوانات كان لها نصيبها من "الجيروعة"، حيث كانوا يأخذون المواشي والأغنام قديما إلى الأرض الأخيرة لأكل قش الزيتون، وكانوا يعرفون جيروعة الآخر حين يرون صاحب الأرض "آخذا غنماته ورايح، نصير نقول فلان اليوم جيروعته"، والقول للعقرباوي.
وبمجرد أن ينتهي الناس من "الجيروعة"، يحمل الرجال حبات الزيتون إلى المعاصر، فتفوح رائحة الزيتون المعصور في البلاد، وتتسابق النساء لإعداد المأكولات والحلويات التي تحتاج إلى زيت، كالمسخّن، والزلابية، وحلوى العوامة، وحلوى اللزيقيات الشعبية.