قبل أشهر، حينما استشهدت الصحافية شيرين أبو عاقلة، كان نضال حرز الله المصاب بمتلازمة "داون" يقف إلى جانب الجدار يصف لشقيقته الصحافية رشا حرز الله بلغته البسيطة وحركاته البريئة حزنه الذي يشعر به تجاه فقد شيرين فأبكانا جميعا.
اليوم يجلس نضال إلى جانب جسد شقيقه محمد الذي ارتقى بالأمس متأثرا بجراحه بعد ستين يوما من محاولات الأطباء لإنقاذه. من مستشفى العربي التخصصي برام الله، كان نضال يهمس كل يوم في أذن شقيقه الراقد:" كيف حالك، بحبك، كل الحارة بتستناك، يلا قوم معي".
ثم دون أن تسأل نضال سيصف لك الاشتباك الذي استشهد فيه رفاق محمد الذي بسببه كان يرقد شقيقه الوحيد بين الحياة والموت، وكيف كانوا يرددون "حي على الجهاد" وهكذا أصيب رأس محمد في أحد التفجيرات، ثم سيلتفت تلقائيا ليخاطب شقيقه الذي لا يسمعه بعد كل جملة ليسأله ببراءة قلبه الصغير: "صح؟" وكأنه يستمد منه إشارة لا يعلمها المحيطون به، ليتأكد أنه يسمعه، وبأن روايته صحيحة.
كانوا ينادون بصوت عال "أبو حمدي، أبو حمدي، أبو حمدي تصاوب" هكذا سيختم نضال روايته، التي كتب سطرها الأخير بالأمس، بعد أن أعلن عن استشهاد شقيقه محمد حرز الله، الملقب بأبو حمدي.
لازمته العائلة لأكثر من مائة يوم بعناية خاصة وكانت حالته خطيرة، رصاصة متفجرة في الرأٍس سببت تلفا في أجزاء كثيرة من الدماغ وخاصة المنطقة اليسرى التي كانت سببا برقدته دون حركة أو كلام.
كغيرها من الأمهات، كانت أم محمد تتمنى أن تزوجه، وهو يرفض، كغيره من الشهداء، مرددا "إنسي الموضوع أنا عرسي رح يكون من مستشفى رفيديا إلى مسجد النمر القريب ثم المقبرة الشرقية".
لذلك كانت الخاتمة إعلانا للوصية.. كانت الخاتمة بقبلات على الجسد الميت.. طبعتها العائلة تباعا، وهي تخاطبه "سنحضر لك جنازة كبيرة سامحنا إذا قصرنا معك سنأخذك لأحلى مشوار، من مستشفى رفيديا لقبرك سنشيعك في نابلس".
أما رشا حرز الله شقيقته، فقد كانت تناجيه دوما عبر صفحتها وتقول: أبو حمدي لا أخفيك ينقصني الكثير في غيابك، ينقصني ان أتشاجر معك عندما أكون قد فرغت من تنظيف المنزل وتأتي لتدوس البلاط وتترك خطواتك أثرا عليه، كان يجن جنوني وتبدأ معاركنا وصراخنا لكننا لم نبت ليلة واحدة في خصام".
وتضيف: "ينقصني أن أتشاجر معك عندما أصحو صباحا باحثة عن قداحة الغاز لأعد فنجانا من القهوة، أبحث عنها في زوايا المطبخ فلا أجدها، أخمن حينها أنك أشعلت سيجارتك بها ودسستها في جيبك، أهاتفك بعصبية "ابو حمدي وين القداحة" لترد ببلادتك المعتادة: "يلا هلأ ببعتلك غيرها"، منذ مئة يوم لم تتبدل القداحة الخضراء التي اشتريتها. هذه تفصيلة ليست مهمة لكنها في الغياب قاسية".
الشهيد حرز الله "أبو حمدي" كما يسميه أهالي حارته، أصيب في فجر الرابع والعشرين من تموز الماضي في الرأس خلال اقتحام البلدة القديمة في نابلس، وقد استشهد يومها رفيقاه محمد عزيزي وعبد الرحمن صبح، وبحرز الله يرتفع عدد الشهداء إلى 202 شهيدا، بينهم 150 شهيدا في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، و52 شهيدا في قطاع غزة.