كُتب على جنين من بداية هذا العام أن تتصدر المشهد وكأنها تعودت مع كل صباح أن تزف أبناءها المضرجين بالدماء وتشم روائحهم كهدية السماء وهي تولد إصرارا كل يوم يزداد مع ارتقاء شهيد جديد.
كعادتها دخلت قوات خاصة كاللصوص تركب سيارات خاصة أمس، يتنكر من يقودها بزي مدني، سرعان ما اكتشفها شباب المخيم، كانت تبحث عن فريستها في أطراف المخيم وتحديدا على دوار العودة، فاندلعت مواجهات عنيفة بينهم وبين الشباب الثوار.
وهكذا تطور الأمر وبدأ الاحتلال بإرسال مدرعاته وقواته المعززة بالسلاح، التي اقتحمت الشوارع ثم حاصرت عددا من المنازل في حي الهدف بقلب المدينة، واعتقلت عددا من الشبان ما فجر المواجهات مجددا بين مسلحي المخيم الأبطال وبين القوات المحمية بمدرعاتها، وهكذا ظلت المواجهات مشتعلة حتى بزوغ الفجر، انتهت باستشهاد شابين وإصابة آخرين.
لم تكن رصاصة عابرة تلك التي سلبت حياة محمد أيمن السعدي (26 عاما) ونعيم جمال زبيدي 31) إنما هي بنادق المحتل التي تعرف من تريد وكيف تصوب، وفي كل اغتيال تقتل عشرات القلوب معها، ثم تولد جنين في ليلة أخرى وكأن الأبطال يخرجون من قلب أرضها، يختبئون بين أزقة المخيم قبل أن يعلنوا ثورة، وكأنهم بالترتيب يتعاقبون على استلام الراية.
عند الساعة العاشرة وفي ساحة مشفى جنين الحكومي تمددت الأجساد، باردة مهللة، بيضاء، صافية الملامح وكل أبناء البلدة يتزاحمون لإلقاء نظرة الوداع، ولم تكن والدة نعيم الزبيدي من ضمن الواقفين المودعين، إنها مريضة يمنعها مرضها من الحركة، وتنتظر على فراش المرض أن يلقى نعيم في حضنها لتقبله قبلة الوداع، في وجع مركّب كتب كقدر تتوارثه عائلة الزبيدي.
نعيم هو ابن جمال الزبيدي، وأسير محرر، اعتقل أكثر من مرة، وهو ابن عائلة مناضلة وابن عم زكريا الزبيدي ووالده هو الفنان في مسرح الحرية، والمناضل في حركة الجبهة الشعبية، ولنعيم زوجة وطفلة، تنتظران إلى جانب الجدار من كان سندا لهما، رجل الظل كما وصفته بعض الفصائل.
وقد تربى الزبيدي على أحلام كبيرة هو ورفيقه الجار محمد السعدي، الذي التقط له زملاؤه فيديو مصور وهو يقول: "احنا بحماية ربنا مش بحماية الناس، خلي الناس للناس واحنا لربنا بإذن الله، ثم أغلق الباب مسلما".
يعملان معا، يقاومان معا، فالأول رئيس كتيبة جنين، والثاني عنصر من عناصر سرايا القدس، رفيقان كتبا على جدار القلب أن البقاء مقترن بالحرية، وبداية الحرية هي الشهادة في سبيلها.
وفي بيان لها هذا الصباح نعت حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري سرايا القدس، الشهيدين المجاهدين قائد كتيبة جنين، الأسير المحرر القائد: محمد أيمن السعدي والأسير المحرر البطل والقائد الكبير: نعيم جمال الزبيدي اللذين ارتقيا خلال معركة التصدي لاقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين فجر اليوم.
وقالت الجهاد في بيانها: "إننا نزف شهداءنا القادة الأبطال الذين التحقوا برفاق دربهم في كتيبة جنين، وأحيوا الواجب على طريق القدس، لنؤكد أن هذه الدماء الطاهرة ستكون وقوداً لاستمرار المقاومة وضرب العدو بقوة ليعلم حجم جريمته النكراء.
شمس جنين تشرق بشهيدين من مقاوميها
الرسالة نت- رشا فرحات