من الواضح أن أجهزة أمن السلطة صعّدت في الآونة الأخيرة من ملاحقة النشطاء والمطاردين لدى الاحتلال في مناطق الضفة، فيما لا تزال تواصل اعتقال المطارد القسامي مصعب اشتية الذي أعلن إضرابه عن الطعام برفقة ثمانية آخرين، احتجاجا على عدم الإفراج عنه رغم وجود قرار محكمة واتفاق فصائلي يقضي بذلك.
ويبدو أن إقدام السلطة على تصعيد هذه السياسة يأتي في ظل تصاعد أعمال المقاومة ضد الاحتلال في الضفة المحتلة، ما يعني أنها محاولة لإخماد نار المقاومة ومنع تزايدها ضمن جهود التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال.
ويواصل 8 معتقلين سياسيين في زنازين السلطة بسجن أريحا الإضراب المفتوح عن الطعام؛ رفضاً لاستمرار اعتقالهم رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم، والمعتقلون السياسيون المضربون عن الطعام، هم: أنور السخل المعتقل منذ 84 يوما، وإسلام بني شمسة معتقل منذ 84 يوما، ومحمد علاوي المعتقل منذ 92 يوما، وأنس حمدي معتقل منذ 54 يوما، والشقيقان زهدي وعمرو قواريق معتقلان منذ عدة أيام.
تصاعد ملحوظ
وفي نوفمبر الماضي، أكد مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة" المحامي مهند كراجة، ارتفاع نسبة الاعتقالات السياسية والتعذيب في سجون السلطة بالضفة الغربية، واصفا العامين 2021 و2022 بأنهما الأسوأ على صعيد الحريات العامة.
وذكر أنهم سجلوا 600 حالة اعتقال سياسي لدى أجهزة أمن السلطة بالضفة منذ بداية 2022، مبينا أن مجموعته الحقوقية تابعت حوالي 380-400 منهم.
وأشار كراجة الى أن العام الحالي سجل زيادة واضحة في الاعتقالات السياسية وادعاءات تعذيب المعتقلين في سجون السلطة، وكذلك عدم تنفيذ قرارات الإفراج القضائية والتوقيف على ذمة "المحافظ".
وقال إن المجموعة رصدت خلال العام الجاري تجاوزات جديدة في موضوع الاعتقال السياسي، منها ما يتعلق بارتفاع وتيرة اعتقال النساء والقامات الوطنية، لا سيما منذ "أحداث نزار بنات"، الناشط السياسي الذي اغتالته قوات أمن السلطة في الخليل في شهر يونيو 2021.
ولفت كراجة إلى التقارير الحقوقية التي سلطت الضوء على موضوع تعذيب المعتقلين في سجون السلطة، وكان آخرها التقرير الصادر عن "محامون من أجل العدالة" و"هيومن رايتس ووتش"، والذي تم تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب.
ونوه إلى أن التوصيات التي صدرت عن لجنة مناهضة التعذيب هذا العام، كانت بضرورة إلزام السلطة بالرد على توصياتها التي جاء فيها أن هناك شكوكا حول مقتل نزار بنات، بالإضافة إلى ادعاءات سوء معاملة.
كما أشار إلى تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر قبل أيام، ويتحدث عن التعذيب في سجون السلطة، موضحا أن مجموعة محامون من أجل العدالة حصلت على الكثير من الشهادات حول التعذيب وسوء المعاملة داخل المقرات الأمنية لا سيما التابعة للمخابرات في رام الله وأريحا.
ويؤكد رئيس تجمع الشخصيات المستقلة ونائب رئيس لجنة الحريات بالضفة خليل عساف، أن تصاعد الاعتقال السياسي والتعدي على الحريات العامة والقانون الأساسي والحق في حرية الرأي والتعبير يأتي تزامنا مع الهجمة المسعورة التي يشنها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ويوضح عساف في حديثه لـ "الرسالة" أن هناك حالة انفصام وانفصال ما بين السلطة وما يجري في المجتمع الفلسطيني الذي يتعرض لضغط وقهر وقتل متعمد من الاحتلال، وآخره جريمة إعدام الشهيد عمار مفلح في حوارة.
ويبين أن الغريب هو تصاعد الاعتقال السياسي في ظل وجود فلتان أمني وتغول وعربدة للمستوطنين، ما يطرح تساؤلا عن دور السلطة وأين هي مما يجري.
ويضيف "ليس مطلوبا من السلطة وأجهزتها حماية المواطنين كونها لا تستطيع حماية نفسها، لكن المطلوب كف أذاها عنهم والتوقف عن ملاحقهم واعتقالهم".
وشدد عساف على ضرورة احترام الحريات العامة والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين.
ويرى النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الدكتور حسن خريشة، أن هذه القضية القديمة الجديدة يجب أن تتوقف ويتم انهاؤها، لا سيما وأن السلطة باتت اليوم لا تستجيب لمناشدات وضغوط الشارع والفصائل.
ويضيف خريشة في حديثه لـ "الرسالة" أن الاعتقال السياسي أصبح جزءا من عمل السلطة بشكل مباشر خاصة وأنه جرى الاتفاق بين الفصائل والسلطة في نابلس عن وقف هذه السياسة والإفراج عن المطارد اشتية ورفقائه.
وشدد على ضرورة الالتزام بأن الحالة النضالية القائمة في فلسطين يجب عدم المساس بها وتبنيها في ظل تغول الاحتلال وتصاعد جرائمه ضد المواطنين بالضفة.
وبين أن على الفصائل مواصلة تحركها من أجل الوصول لحل مع السلطة في ظل استمرارها بالملاحقة على خليفة الرأي والتعبير، خاصة مع الحديث عن وجود جهود دولية لاستئناف ملف المصالحة.