تدفع الولايات المتحدة الأمريكية -بمساندة بعض دول الإقليم- باتجاه تهدئة الأوضاع الأمنية المشتعلة، وإخماد نار المقاومة المسلحة المتصاعدة في مناطق الضفة، التي جاءت ردًّا على تصاعد جرائم الاحتلال (الإسرائيلي) هناك.
وشهد مقر المقاطعة برام الله حراكا مكوكيا لأطراف مختلفة، على ضوء تصاعد عمليات المقاومة في الضفة، عقب مجزرة جنين التي ارتقى فيها 10 شهداء قبل أيام، وعملية القدس البطولية التي قتل فيها ثمانية مستوطنين.
وضغط وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) على رئيس السلطة محمود عباس لقبول وتنفيذ خطة أمنية أمريكية تهدف إلى إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على مدينتي جنين ونابلس.
ونقل موقع (أكسيوس) الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين و(إسرائيليين) لم يسمّهم قولهم: "إن بلينكن ضغط خلال لقائه عباس في مدينة رام الله، الثلاثاء الماضي، لقبول خطة أمنية صاغتها الولايات المتحدة، تعيد سيطرة السلطة على مدينتي نابلس وجنين، اللتين أصبحتا مركزين للاضطرابات في الضفة الغربية المحتلة".
وأكد بلينكن أن من أهم الخطوات التي يتعين على السلطة الفلسطينية اتخاذها من أجل تهدئة الوضع الأمني، تنفيذ الخطة الأمريكية الأمنية بما يشمل تدريب قوة فلسطينية خاصة لمواجهة المسلحين في الضفة، حسب المصدر نفسه.
تزامن ذلك مع لقاء عباس برئيسي جهازي المخابرات المصرية عباس كامل، والأردنية أحمد حسني، بهدف تهدئة الأوضاع الأمنية وإعادتها إلى ما كانت عليه، خاصة مع التمدد المتسارع للمقاومة المسلحة في مناطق الضفة، التي وصلت مؤخرا إلى مدينة أريحا.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور تيسير محيسن، أن ما يجري في الفترة الأخيرة بالضفة -من ظهور العمل المقاوم الفردي والتحوّل إلى مجموعات مسلحة خرجت عن سيطرة السلطة- خلق حالة من القلق لدى الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى إلى إيجاد حالة من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني-(الإسرائيلي).
ويوضح محيسن في حديثه لـ (الرسالة)، أن السلطة ترى أن تزايد عمليات المقاومة في الضفة يمس بمكانتها السياسية ويضر بمشروعية مسار التسوية.
وبيّن أن مصر والأردن يعنيهما بشكل كبير بقاء السلطة متماسكة، كما أن الولايات المتحدة ترى أن السلوك الهمجي لحكومة نتنياهو اليمينية يجعلها كأنها تفقأ عينيها بيدها، مما دفع بوزير الخارجية الأمريكي بلينكن لزيارة المنطقة بهدف الحفاظ على وجود السلطة.
ويشير إلى أن ما يحتاجه عباس، إسنادا عملياتيا من الاحتلال على الأرض، بمعنى أن توقف دولة الاحتلال مشاريعها الاستيطانية، وتوقف اقتحامات الأقصى من بن غفير والمتطرفين، وتوقف انتشار الجيش في المناطق (أ)، وهو مستعد أن يقوم بالدور المنوط به في ملاحقة خلايا المقاومة بالضفة وتفكيكها.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي سليمان أبو ستة، مع سابقه، مبينا أن الولايات المتحدة والأنظمة العربية بدؤوا يلحظون تصعيدا كبيرا بالضفة، خاصة مع قدوم الحكومة الأكثر تطرفا، وهي لا تريد للضفة أن تتأجج انتفاضتها ومقاومتها، ما دفعها للضغط على الطرف الأضعف لتقليص ردة فعله لأبعد قدر ممكن.
ويضيف أبو ستة في حديثه لـ (الرسالة)، أن الأطراف الدولية تضغط على السلطة لمنع المقاتلين من مقاومة الاحتلال، وما يجري الآن عبارة عن خطة لحصارهم ومحاولة القضاء عليهم، وهو سلوك السلطة أساسا منذ القدم، وما أعلنته عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أمر لا أساس له من الصحة.
ويشير إلى أن المقاومة رغم هذه الخطط والمؤامرات ستستمر ولن تتوقف، في ظل تصاعد جرائم الاحتلال، كونها تأتي كردة فعل طبيعية على تلك الجرائم.