ما بين "الصحة" "والعمل" "والشركات"

عمال النظافة الحلقة الاضعف في خدمة المستشفيات

الصحة: رفعنا مخصصات شركات النظافة لتحسين أوضاع العمال

العمل: سنحفظ حقوق العمال كاملة ولن نقبل بظلمهم

الشركات: تفاجأنا بشروط جديدة لم تكن بالحسبان

العاملون: ننتظر الوعود برفع رواتبنا ولم نر شيئا بعد

الرسالة نت - محمد أبو قمر

يقطع عامل النظافة بمجمع الشفاء الطبي أرضية قسم العناية المركزة "بقشاطته" ذهابا وايابا لإزالة أية آثار للأوساخ والتأكيد على نظافتها.

قبل الاجراءات الجديدة لتحسين أوضاعهم كان مطلوبا من ذلك العامل العمل ما يزيد عن ثماني ساعات يوميا دون اجازات مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى خمسمائة شيقل شهريا، وفي حال "شكى أو بكى" يهدد بالطرد ، مما يضطره للقبول بوضعه تحت وطأة "شيء أفضل من لا شيء". 

على مدار السنوات الماضية كانت "معادلة النظافة" في المؤسسات الصحية تضم وزارة الصحة وشركات النظافة التي يرسو عليها العطاء السنوي، وعمال تلك الشركات فقط.

الصحة تبحث عن نظافة أفضل في هذه المعادلة ، والشركات تحاول تحقيق ربح أكثر، والعمال "الغلابة" متقوقعون في طنجرة الضغط، فما الذي استجد هذا العام لحفظ حقوق العمال؟.

ترتيب الاوضاع

قبل عشر سنوات كانت تعتمد وزارة الصحة على موظفين لديها في خدمات نظافة المستشفيات والمراكز الصحية التي تتبع اليها، لكنها فكرت بتطوير آلية للحصول على مستوى أفضل من النظافة من خلال خصخصة الخدمات.

وتقوم فكرة الخصخصة كما يقول محمد أبو الوفا مدير المشتريات بوزارة الصحة على طرح عطاء سنوي خاص لكل مؤسسة صحية شامل لعدد العمال المطلوبين، والمواد والخدمات اللازم توفيرها، وتفتح الباب أمام الشركات لطرح عروض أسعارها على ذلك العطاء.

وتعرض العروض على لجنة فنية من الوزارة لدراستها من جميع الجوانب التي تضم امكانيات الشركة وخبراتها السابقة في ذلك المجال، والمبالغ المخصصة كرواتب للموظفين وهامش الربح وغيرها.

ويؤكد أبو الوفا في حديثه "للرسالة نت" أن اللجنة كانت تنظر للتأهيل الفني للشركة أولا ومن ثم تلتفت لأقل الاسعار المطروحة، وبعدها تنتقي الشركة المناسبة.

ويشير أبو الوفا أن الحكومة كانت تخصص مبلغا محددا لشركات النظافة في المؤسسات الصحية، لكنه يشدد على أنه في حال كان عرض الشركات منخفض التكلفة، ومستوى التأهيل الفني لا يفي باحتياجات الوزارة، فتصرف النظر عنه، لأن هدفها الاساس تحقيق مستوى عال من الاداء.

وتضم وزارة الصحة ثلاثة وثمانين مؤسسة صحية من بينها ثلاثة عشر مستشفى، والعدد المتبقي موزع على مراكز رعاية أولية ومبان ادارية.

ويعد كل مركز صحي طرح خاص بذاته، وتحتاج تلك المؤسسات مجتمعة على ما يقرب من ستمائة وسبعين عاملا، فيما تشرف ثماني شركات على خدماتها.

ومع اشتراط وزارة الصحة سابقا تحديد ستمائة شيقل شهريا كسقف أدنى لأجور العمال، الا أن متابعة ذلك الشأن كان غائبا مما ترك للشركات الحرية الكاملة في التحكم بذلك المبلغ.

وتلقت "الرسالة نت" في وقت سابق أكثر من شكوى من عمال النظافة الذين احتجوا على أوضاعهم المالية ورواتبهم التي كانت تقلص في بعض الاحيان لأربعمائة شيقل شهريا فقط، مع غياب الاجازات.

وكان المشتكون متخوفين من علم الشركات بتقديمهم شكاوى خشية اقصائهم عن العمل.

عطاءات جديدة

اثنا شيقل فقط لكل ساعة عمل، ذلك ما كان يتقاضاه عمال النظافة في المؤسسات الصحية، وكثيرا ما كان يخصم عليهم بدل فحوص طبية وخلاف ذلك.

لكن وزارة العمل التي يلقى على عاتقها حفظ حقوق العمال، وبدأت العام الحالي العمل بهذا الشأن، تعزو على لسان عبد الله كلاب - نائب مدير عام دائرة التفتيش وحماية العمل - عدم متابعتهم لحقوق العمال السنوات الماضية بسبب ضعف الميزانية السنوية التي كانت تخصصها الحكومة لشركات النظافة.

وفي هذا الشأن ذكر أبو الوفا أن وزارة الصحة بدأت العام الحالي بترتيبات جديدة للتعامل مع شركات النظافة، حيث ارتفعت الميزانية المخصصة لها من خمسة ملايين ونصف المليون شيقل، الى سبعة ملايين شيقل، لزيادة أجور العمال بالدرجة الاولى.

وتوجب شروط العطاء على الشركات المتقدمة احتساب أجر العامل سبعمائة شيقل شهريا كحد أدنى، ومعاملته بناء على قانون العمل الفلسطيني، كما تلزم الشركات توقيع عقود عمل مع العاملين لديها.

وتأتي تلك الشروط الجديدة بحسب أبو الوفا لحفظ حقوق العمال، كما تم تحديد المعيار الفني لأداء الشركات كخيار أول لإرساء العطاء عليها، ومن ثم السقف المالي الذي تضعه الشركة أثناء تقدمها للمناقصة.

من الجدير ذكره أن العروض السابقة كانت تشترط أن يكون الحد الادنى لرواتب الموظفين ستمائة شيقل، لكنها لم تكن تلتزم بدفعها كاملة للعمال، وتهددهم بالطرد في حال الافصاح عن المبالغ الحقيقية التي يتقاضونها.

احتجاج الشركات

في الركن المخصص لشركة الداية للصيانة والخدمات التي رسى عليها العطاء العام الحالي للإشراف على نظافة مجمع الشفاء الطبي، تبرز جالونات الكلور والمنظفات السائلة، والمحارم، ومعدات النظافة، والسترات التي تستعد الشركة لتوزيعها على العاملين.

ورغم أن العطاء رسى على الشركة الا أن مديرها أبو حازم الداية يشتكي من الشروط الجديدة التي وضعتها وزارة العمل على العطاء.

وقال "لم نكن نعلم بتلك الشروط التي تقضي بمنح العامل أربع أيام اجازة في الشهر، ومكافأة نهاية الخدمة"، ويضيف "هذه شروط جديدة لم نطلع عليها، والاموال المرصودة للمناقصة لا يمكن أن تفي بدفع جميع تلك المستحقات".

وبحسب الداية " يعمل في مجمع الشفاء الطبي 137 عاملا على ثلاث فترات تغطي اليوم كاملا، وفي حال طلب مني منح كل واحد منهم اجازة اربعة ايام شهريا، فهذا يتطلب توفير ذات العدد لتغطية تلك الاجازات، مما يزيد من الاموال المخصصة لرواتب الموظفين".

ولفت الداية الى أن وزارة الصحة لم ترفع المبلغ المخصص للنظافة هذا العام، وانما هو ذات المبلغ الذي كان مخصصا في الاعوام السابقة، وعادت لتخفيضه عامي 2009-2010، وعندما رأت أن ذلك أدى لتراجع في خدمات النظافة، اضطرت لرفع المبلغ مرة ثانية.

وفي ذات السياق يؤكد نائب مدير التفتيش وحماية العمل على أن جميع تلك الشروط كانت موجودة بطرح العطاء، وأطلع "الرسالة نت" على نسخة منه، ومن قانون العمل الذي يحفظ حقوق العاملين.

واقترحت وزارتا الصحة والعمل على وزارة المالية أن تحول الجزء المخصص لرواتب العاملين في شركات النظافة الى مكاتب البريد مباشرة، ليتلقاها العامل من هناك، وبذلك يكونون قد حفظوا حقوقه بتلقي راتبه كاملا، الا أن ذلك الاقتراح لم يلق ترحيب شركات النظافة.

وتخوض شركات النظافة ووزارة العمل هذه الايام نقاشات لتسوية الخلافات فيما بينها قبل توقيع العقود ، لكن عبد الله كلاب يؤكد أنه يجب على الشركات توقيع العقود في أقرب وقت، وأضاف "لم نضع اشتراطات جديدة، ما تعترض عليه الشركات كان مدرجا ضمن طرح العطاء".

وشدد كلاب على أنه عقب توقيع الشركات على العقود فستباشر الوزارة مهامها في حفظ حقوق العمال، وفي حال رفض أية شركة التوقيع فسيضطروا للاستغناء عن خدماتها واسناد مهامها لشركة أخرى.

تحسين الاداء

وتقوم الشروط الجديدة لمنح العطاءات على تحسين أداء العمل الى جانب حفظ حقوق العمال.

وأوضح أبو الوفا أن الآليات الجديدة للرقابة على شركات النظافة، تقوم على تقييمها بشكل دوري، واطلاع ممثليها على جميع الملاحظات على عملها، في سبيل تحسين مستوى الخدمة.

ويؤكد أن تحسين وضع العامل سينعكس على وضع النظافة، وهذا يفرض على أصحاب الشركات مراقبة أداء العمال أيضا لأنهم رفعوا رواتبهم.

وتفرض وزارة الصحة على الشركات شروطا جزائية صارمة في حال تقصيرها بالعمل ، حيث ان هناك لجانا مختصة في كل مستشفى وتقيمها بشكل شهري، واذا انخفض معدل التقييم عن 90% ، يوجه لفت نظر للشركة، واذا استمر تقصيرها فستضطر لخصم مبالغ مالية من مستحقاتها.

وبعد عدة اشهر اذا لم تلتزم الشركة بمستوى النظافة المطلوب تعيد الصحة النظر باستمرار عقدها.

ويؤكد أبو الوفا أن تلك الاجراءات حدثت العام الماضي مع بعض الشركات، التي تم استبعادها العام الحالي من العطاءات, وستشدد الصحة رقابتها على مستوى النظافة هذا العام بعد تحسين شروط العطاءات، حيث يشير أبو الوفا الى أن العام الماضي شهد تأخرا في دفع وزارة المالية مستحقات الشركات ، مما دفعها لتعزو تراجع مستوى النظافة الى عدم تلقيها كافة مستحقاتها، لكنه قال "اذا ضمنا تحويل رواتب العمال للبريد مباشرة مع مطلع كل شهر، فسنكون بذلك ضمنا حقوقهم، وبالتالي منحنا خدمة أفضل".

رأفت حمدونة المدير الاداري لمجمع الشفاء الطبي، قال أن لديهم لجنة مكلفة من قبل اداري ومسئول لجنة ضبط الجودة بالمستشفى ومدير التمريض، لمتابعة مستوى النظافة، واي ملاحظات على عمل شركة النظافة يتم دراستها وابلاغها لمندوب الشركة بالمستشفى.

ويتابع " طالما في عمل فهناك شكاوى، واذا لم نتابع الشركات حتى لو أخذت كامل حقوقها، فستقصر، المهم ان يأخذ العامل حقه حتى ينتج بكفاءة، وسنأخذ حينها حقنا من النظافة".

ويأخذ نموذج التقييم الشهري لشركات النظافة في المستشفيات - اطلعت عليه "الرسالة" -

بعين الاعتبار مستوى النظافة العامة وتشمل اقسام المستشفيات والعيادات الخارجية والمكاتب والادارات والساحات الخارجية والطرق والمساحات الخضراء بالمستشفى، بالإضافة الى معدات وادوات النظافة ومواد التنظيف، وعمل العمال.

ويقيم النموذج حساسية اقسام العناية المركزة والحضانة والحروق والاورام والدم، وقسم الكلية الصناعية، واقسام الولادة والمختبرات.

وحسب نموذج التقييم فان اي تقصير في تلك الاقسام على وجه التحديد لن يقبل ولو لمرة واحدة، وفي حال عدم الالتزام سيعاد النظر في التعاقد مع الشركة.

آمال العمال

ولم يطلع عمال النظافة على  التفاصيل الجديدة لضمان حقوقهم، وقال من استطلعت "الرسالة" آراءهم أنهم سمعوا بتحسين رواتبهم هذا العام ، ومنحهم اجازات شهرية، لكن ذلك يبقى مجرد "كلام" طالما لم يلمسوه واقعا.

وفضل أولئك العمال عدم ذكر اسمائهم خوفا من معاقبتهم من قبل شركاتهم، وقال أحدهم "أعمل في نظافة المستشفيات منذ أربع سنوات، تعرضنا خلالها لظلم كبير، كانت تحسب ساعة العمل باثنين شيقل فقط، وكنا نعمل عشر ساعات في اليوم، ونتفاجأ في آخر الشهر خصم ما بين عشرين الى خمسين شيقلا من الراتب لأسباب مختلفة".

ولم يكن العمال يحصلون على أي يوم اجازة، وفي حال قرروا الاجازة فيخصم من رواتبهم.

ويأمل العاملون من وزارة العمل متابعة أوضاعهم بشكل مستمر.

ويعترف العمال أن مستوى النظافة يختلف من عام لآخر، بناء على الشركة التي يرسو عليها العطاء، ولفتوا الى أن بعض الشركات توفر مواد ومعدات تنظيف تمكنهم من القيام بمهامهم بشكل أفضل، وبعضها لا يوفر موادا كافية مما ينعكس على الخدمات المقدمة".

ويختم أحد العمال قوله "يجب ان يقف الجميع بجانب العمال المهمشين".

وبحسب قانون العمل فانه يفرض على صاحب العمل التأمين الالزامي على العمال ضد اصابات العمل لدى شركات التامين المرخصة في فلسطين.

وعلى صاحب العمل تقديم اسعافات اولية للمصاب عند حدوث اصابات عمل ، وابلاغ الشرطة ووزارة العمل وشركة التامين، وعلاج المصاب الى ان يتم شفاؤه وتغطية كافة النفقات العلاجية.

وفيما يتعلق بظروف العمل فينص القانون على اجراء فحص طبي ابتدائي قبل استلام العامل للعمل لتأكيد خلوه من امراض يمكن ان تزيد مهنة النظافة من شدتها، او تساهم في حدوث مرض مهني، مع العلم أن الفحص يتكفل بتكاليفه رب العمل.

كما أن القانون يطالب صاحب العمل اجراء فحص طبي دوري للعمال مرة واحدة كل ستة اشهر، وتوفير ادوات الوقاية الشخصية المتمثلة في قفازات يدين وحذاء واق، وكمامة، وزي خاص بالعمل.

ووفقا لقانون العمل فان ساعات العمل الفعلية للعمال لا تزيد عن 45 ساعة في الاسبوع، وحددت ساعات العمل الاضافي 12 ساعة اسبوعيا كحد اقصى على أن تحتسب كل ساعة عمل اضافي باجر ساعة ونصف.

ويقول القانون "تخفض عدد ساعات العمل في الفترة الليلية بمقدار ساعة واحدة في اليوم، ويستحق العامل اجازة اسبوعية 24 ساعة مدفوعة الاجر اذا عمل ستة ايام متصلة، واجازة سنوية مدفوعة الاجر تقدر بأربعة عشر يوما".

وينص قانون العمل على أن العامل يستحق اجازة مدفوعة الاجر في الاعياد الدينية والرسمية، ثلاثة ايام بعيد الفطر، واربعة بالأضحى، وعيد العمال، ويوم الاستقلال، ورأس السنة، بالإضافة الى اجازة مرضية بناء على تقرير طبي حسب الاصول مقداره 14 يوما بأجر، و14 يوما أخرى بنصف الاجر.

وعند انتهاء خدمة العامل في الشركة بعد عام فانه يستحق مكافأة نهاية خدمة بمقدار اجرة شهر، ولا يجوز لصاحب العمل ان يقلل اجر العامل عند الحد الادنى المقرر حسب شروط العقد.

مراقبة العمل

ويتفق الجميع على أن تحسين أجور العمال سيضع حدا للشكاوى على النظافة في أقسام المستشفيات المختلفة، مع العلم أن معظم الشكاوى من نظافة المستشفيات في السابق كانت تتركز على أقسام الولادة على وجه التحديد.

وينتظر كلاب نائب مدير التفتيش وحماية العمل أن توقع الشركات العقود ليباشر مهامه في مراقبة حفظ حقوق العمال في الوقت والزمان المناسبين ، وقال " لن نسمح بأن يظلم العامل في أبسط حقوقه".

ويضيف " جميع الشركات تربح من العطاءات، ولو كان غير ذلك لما تكرر دخولها في المناقصات بشكل سنوي، لكنهم اعتادوا في السابق على هدر حقوق العمال".

ونوه كلاب الى أنه كما القانون يحفظ حقوق العامل فان هناك لائحة جزائية تعاقب العامل في حال تقصيره".

وفي اطار عملها الرقابي طالبت وزارة العمل الشركات تزويدها بكشف دوري لحركة العمال وأسماء المناوبين منهم، وتوزيعهم على الورديات، لحفظ حقوقهم، والاطلاع على الساعات الاضافية، حيث ينص القانون على أن كل ساعة اضافية يجب ان يتقاضى العامل ثمن ساعة ونصف بدلا عنها، وليس اثنان شيقل كما كانت الشركات تتعامل معهم في وقت سابق.

ويؤكد كلاب أن قانون العمل يحفظ حقوق الموظفين حتى لو لم يكونوا موقعين على عقود مع الشركة، ويضيف " لو اراد اي موظف الحصول على مستحقاته منذ سنوات سابقة فيكفيه شاهدين امام المحكمة للحكم بضرورة ان يدفع صاحب العمل مستحقاته كاملة".

ترتيبات جديدة، تحتاج لمتابعة حثيثة، يحصل خلالها العامل على كامل حقوقه، والايام القادمة كفيلة بمدى انعكاس ذلك على مستوى النظافة في المستشفيات والمراكز الصحية. 

 

البث المباشر