الصورة القادمة من الضفة كل صباح مؤلمة وتزداد ألما، مع وحشية الاحتلال، فتخرج نسائم كل صباح مخلوطة بروائح الدم، وهكذا استيقظ أهالي بيت ريما فجر الجمعة.
كعاتها، شيعت بلدة بيت ريما شهيداً جديداً، ليس الأول من عائلة الريماوي. فقد سبقه ظافر وجواد قبل أيام، وما قبل فجر الجمعة ارتقى ضياء الريماوي، وهو يعرف أنه سيكون شهيدا، حدّث العائلة بذلك، وأوصى أمه ألا تبكيه كثيرا حتى ينام بسلام، قالها مرارا حتى تحققت النبوءة.
فتحت قوات الاحتلال نيرانها قرب بلدة عبود بجوار رام الله حيث كان ضياء ورفاقه يسيرون، أصيبوا جميعهم، لم تكن إصابتهم قاتلة، ولكنّ الاحتلال احتجز أجسادهم وتركهم ينزفون ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، وهكذا نزف ضياء حتى الموت، بينما تفاوتت إصابات رفاقه بين خطرة متوسطة.
رصاصتان، واحدة دخلت من أعلى ظهره، وأخرى من أسفل بطنه، إحداهما خرجت من صدره والأخرى خرجت من بطنه. "تصفية بدم بارد"، كما قال الدكتور الذي استقبله في مجمع فلسطين الطبي في رام الله، ليرتفع عدد الشهداء إلى سبعة خلال أسبوع واحد فقط.
في البيت وصل الخبر ثقيلا على قلوب أحبته، فضياء هو الحفيد الأول للعائلة، الابن البكر لأمه وأبيه، وقد تعودت الجدة أن يأتي إليها راكضا، يصعد السلم، ثلاث درجات بقفزة واحدة، يرمي حقيبته ويتشمم روائح ما طبخت، أما والده فقد صرخ في وجه كل شيء" الله أكبر ولله الحمد، وهو يحتضن الجسد الطري الصغير.
تقول الجدة: "أكبر أحفادي، قلت لبناتي ضبن اولادكن، هذا الحفيد الأصلي، قالي يا ستي لما اصير سبعة عشر ايش بدك تجيبي، قلتله أحلى هدية إلك يا ستي، سألني إيش بدك تغديني، آخر غدا تغداه عندي مبارح".
أما والدة ضياء فحملت النعش على أكتافها وسارت بالجنازة ككل الأمهات الفلسطينيات اللواتي شيعن قطعة من أرواحهن منذ بداية هذا العام الذي مر ثقيلا على قلوبهن، خليط من الفخر والتحديات والوجع فتزوغ العين حزنا من دون دمع، بينما تزغرد فخرا باللقب الجديد الذي أهداه إليها ابنها.
تقول الأم:"سألته بالأمس وين بدك تروح يمه، قال إنه ذاهب ليستشهد، كان يحب الجميع، والجميع يحبه، كان يلعب مع أصدقائه لعبة الشهادة، ينام ويلفونه بالعلم، كنت أتمنى أن ينجح في مدرسته".
تتابع:" المدير يكلمنا في كل مرة ليقول ابنكم طلع، راح يجري ورا العساكر، كان يحب خاله كثيرا وخاله يحبه، لكنه أحب الشهادة أكثر، طلبها ونالها".
انطلق موكب تشييع جثمان الشهيد الريماوي صباح الجمعة، من أمام مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، بعدما أقامت له قوى الأمن الفلسطيني جنازة عسكرية، ثم نُقل جثمان الشهيد إلى مسقط رأسه لمنزل العائلة.
حُمل ضياء على أكتاف أمه، كتف صلد، تحمله جنينا فطفلا فشابا، ثم مرفوعا من الكتف إلى السماء.