طوت سناء سلامة – 60 عاما- زوجة عميد الأسرى المفكر وليد دقة سنوات طويلة من الانتظار، وهي تتجهز وطفلتهما "ميلاد" من أجل لحظات الإفراج عنه، لدرجة أنها بصبرها ودعمها جعلته يكسر عقود أسره بثبات حتى اقترب موعد حريته لكن الاحتلال بجبروته نال منه وأضاف عامين آخريْن للتنغيص عليه.
لم تستسلم أم ميلاد، فدعمت زوجها وباتت تهون عليه، رغم الزيارات القليلة التي كانت تسمح له فيها إدارة السجون لمقابلة زوجته وطفلته التي جاءت عبر نطفة مهربة – وتبلغ من العمر 3 سنوات، أما صوت صغيرته وهي تناديه "بابا" فينسيه قهر الزنازين.
ومنذ أشرقت ميلاد في حياة "وليد" منحته الحياة التي حرم منها منذ اعتقاله عام 1986، فبات يحلم كيف سيقضي معها تفاصيل اليوم الأول من الإفراج وكيف سيشاركها رحلتها المدرسية حتى تغدو شابة مثقفة يحكي لها لتوثق معاناته في السجن.
الأحلام التي لا تزال تعيشها عائلة "دقة" كبيرة فتفاصيل كثيرة باتت مؤجلة إلى حين الإفراج عنه، لكن الاحتلال كعادته ينغص على الفلسطينيين، لتخرج زوجته معلنة عبر منشور على الفيسبوك قائلة:" وجع الحياة لا ينتهي، والصبر لا ينتهي أيضاً كما اليقين بالحرية (..) وليد يعاني من المرض والإهمال الطبي، ونقل مؤخراً إلى إحدى المستشفيات (الإسرائيلية) (..) للأسف الفحوصات أظهرت اليوم إصابة أبو ميلاد بمرض "لوكيميا ALM - سرطان الدم"، والعلاج الكيماوي سيبدأ فورا".
وأكلمت: "كنا ننتظر تحرره بعد ثلاثة أشهر، بعد 37 سنة من الأسر، لولا الإمعان في الظلم وإضافة سنتين على محكوميته، لكن ثقتنا بصمود أبو ميلاد ونجاته وخروجه للحرية في أسرع وقت لا تتزعزع.
إصابة دقة كانت متوقعة كحال العشرات من الأسرى الذي قضوا عقود طويلة يتنقلون في زنازين وغرف داخل السجون لا تصلح للعيش الآدمي حيث لا هواء ولا شمس، بالإضافة إلى افتقارها لمقومات النظافة ونوعية الطعام الرديء.
حالة من الحزن امتزجت بصلوات الفلسطينيين ودعائهم بالشفاء للأسير دقة المحكوم بـ (39 عاما)، وطالبوا من المؤسسات الحقوقية بسرعة التدخل، لاسيما وأن حكايته خاصة رغم أنها لا تقل وجعا وظلما عن حكايات بقية الأسرى في سجون الاحتلال.
في حين علت صرخات الأسرى المحررين الذي رافقوه في كل المعتقلات فكتب حسام الرزة: "وليد دقه الأسير الذي صدأ القيد على يديه ولم تفتر سواعده (..) استقبل آلاف الأسرى ووفر لهم وسائل الراحة وودع آلافا وهو يبتسم لهم طوال سته وثلاثون عاما مضت على اعتقاله (..) كل دقائقه صمود ومقاومة وتحدٍ يعاني اليوم من سرطان الدم وهو بحاجه لكل جهد وطني كي يعانق ابنته ميلاد بلا قضبان وبلا أسلاك".
بينما كتب المحرر محمد درباس: "وليد دقة معجزة بشرية، فكرية ثقافية صلبة، لا أريد الخوض في كلمات كثيرة لأنك أكبر من كل الكلمات والكتب، كنت الأخ والرفيق الاكبر ومازلت وليد الذي زرع فينا روح الثورة الفكرية وشرارة المواجهات مع السجان، كنت السيف والدرع الواقي والمحنك لنا".
وتابع: "دخلت السجن ولم أتجاوز ١٨ عامًا وخرجت وكان عمري ٢١ عامًا، وبعد عام عدت والتقينا في نفس السجن الذي تحررت منه، أول كلمة قلتها لي: "آه يما شو مش عاجبك اشي برا؟ " وللأسف أفرج عني وأنت ومازلت داخل قلاع الأسر".
وأكمل: بعد أقل من 6 أشهر، عدت وكان التحضير حينها لإضراب عن الطعام بعد خوض الإضراب الذي استمر 46 يوما عاد جميع الرفاق سويًا، حينها كانت المفاجأة: وليد في انتظارنا، ورفض إدخالنا السجن حتى نجتمع سويا في زنزانة واحدة ونشرب كأس الشاي المرّ .. ولكن لحظة الانتصارات كانت دموع رفيقنا وأبينا وليد هي حلاوة السكر بحد ذاته، وقام يغني لنا "أن تسأل عني فهذا موطني" وهو يصفق لنا في انتصار معركة الكرامة".
ويعد الأسير دقة، أحد أبرز الأسرى في سجون الاحتلال، وتمكن من الحصول على شهادة "الماجستير" في العلوم السياسية، وساهم في العديد من المسارات في الحياة الاعتقالية للأسرى، وخلال مسيرته الطويلة في الاعتقال أنتج العديد من الكتب والدراسات والمقالات وساهم معرفيًّا في فهم تجربة السّجن ومقاومتها.
ومن أبرز ما أصدره الأسير دقة، "الزمن الموازي"، "يوميات المقاومة في مخيم جنين"، "صهر الوعي"، "حكاية سرّ الزيت"، و"حكاية سرّ السيف" مؤخرًا.
وتعرض لجملة من السّياسات التّنكيلية على خلفية إنتاجاته ولا سيما المعرفية، وسعت إدارة سجون الاحتلال لمصادرة كتاباته وكتبه الخاصة، كما واجه العزل الانفرادي، والنقل التعسفيّ.