لم تكن حماس، مولود الثورة الأول، ولا وريثة البندقية الأوحد، بل جاءت امتداداً لنسل ابتدأ منذ فجر التاريخ، وامتدّ أصيلاً رغم كل المجازر، كالمتبقي الوحيد في نهاية إبادة جماعية، لكنها كانت مولوداً باراً، ووريثةً أهلاً لما صدح به بيانها الأول، وأعلنه فكرها الأصيل..
صنعوا المجد
خمسة وثلاثون عاماً وهي تزين صدر فلسطين، راية علت مع أول تباشير الثورة، امتطت صهوة الحجر، وهتاف الثائرين، وألسنة اللهب، معلنة ميلاد بندقية جديدة، في مخاض غيّر وجه العالم..
لم تكن حماس، مولود الثورة الأول، ولا وريثة البندقية الأوحد، بل جاءت امتداداً لنسل ابتدأ منذ فجر التاريخ، وامتدّ أصيلاً رغم كل المجازر، كالمتبقي الوحيد في نهاية إبادة جماعية، لكنها كانت مولوداً باراً، ووريثةً أهلاً لما صدح به بيانها الأول، وأعلنه فكرها الأصيل..
عبر خمسة وثلاثين عاماً، حملت حماس الحجر على كتف أرواح الشهداء، حتى وصلت به إلى سماء النصر، وسارت بالملثم في ميادين المطاردة حتى أحالته مارداً يهزّ بصورته العالم، ومرّغت أنف الجيش الذي لا يقهر في التراب مرات ومرات، وأمسكت العالم من رقبته لتُريه فلسطين، وتسمعه صوتها..
ولم يكن لها أن تصنع ذلك بغير شبان اتخذوا قلوباً من عزم، وعقولاً من نور، وسواعد من صوان، لا يحدّهم خوف، ولا يصيبهم وهن، لو خاضت بهم البحر لخاضوه..
كانت من ورائهم قلوب أشدّ عزماً، وعقول أكثر نوراً، وسواعد أشد صلابة، وأكُفّ أطهر من دعاء الصالحين: كانت من ورائهم الأمهات..
ليس هؤلاء الشبان أبناء يومهم، ولا أمسه؛ إنهم تراث عريق، وتاريخ سحيق: باعت فيه جداتهم حليّهن، ليشتري شباب القرية “بارودة” يتمترسون خلفها حتى النفس الأخير،
وخبأت أمهات جداتهم “الفدائية” في الجرن أو في العليّة، وابتكرت جدات جداتهم “تراويد” مشفرة تبث رسائل للأسرى والثوار كلما غنّين “يا طالعين الجبل”
هؤلاء أبناء قضية عاشت في عمق الوعي، نجت مع حكايات النكبة، وتعافت بالحجارة، وتمددت وحُملت على الجثامين الملفوفة بالأكفان، حتى أصبح “الملثم” حقيقياً، و”ظريف الطول” أكثر من قصة، و”بارودة السبع” ميراثاً من نار..
هؤلاء هم روح الشجاع الذي كان خط الدفاع الأخير عن القرية، يوم هرب المختار،
هم الذين تبكي أمهاتهم كلما طلوا بثياب الجند، ويزغردن كلما “رجع الخي”..
هؤلاء أبناؤنا، صنعناهم بالصبر، فصنعوا لنا المجد.