قائد الطوفان قائد الطوفان

حل السلطة: خيار فلسطيني للرد على مأزق المفاوضات

عمان- الرسالة نت ووكالات

تنشط مطالبات الأخذ بخيار حل السلطة الفلسطينية المتذيل قائمة "البدائل" المطروحة رداً على مأزق المفاوضات المصطنع إسرائيلياً، ما يحمّل الاحتلال مسؤولياته ويعيد الوضع إلى المربع الأول قبل أوسلو.

وينبثق خيار فصائل وقوى وشخصيات وطنية "بالحل" من بين ثنايا مأزق فلسطيني يلج عامه الجديد بمضاعفات أوضاع متدهورة في الأراضي المحتلة وانقسام فلسطيني حاد ومسار تفاوضي آل للفشل، بعد محاولات أميركية يائسة لإنعاشه اصطدمت بالتعنت والرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان.

ورغم أن خيار "الحل" حجز مكاناً في آخر قائمة "البدائل" الفلسطينية، ولكنه يقع فريسة تجاذب فلسطيني حاد بين الرفض لمسوغات اعتبار السلطة معبراً لقيام الدولة "الموعودة" أو جهازاً خدماتياً لا غنى عنه أو لتفويت الفرصة على الاحتلال، مقابل الداعين لتقديمه حلاً أولوياً بدل الاعتماد على خيارات أممية أسيرة القرار الأميركي.

واستند القائلون بخيار "الحل" إلى تلويح محمود عباس باللجوء إليه في مواجهة استمرار الاستيطان الإسرائيلي، وتولي بعض قيادي حركة فتح مهمة الترويج له، مثل رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات وعضو اللجنة المركزية لفتح نبيل شعث، بينما ارتفعت وتيرة المطالبة به بين الصفوف الشعبية في ظل تزايد حالة الإحباط من أداء السلطة وتراجع دورها ومن إخفاق مسار العملية السلمية.

ولكن أوساطا سياسية مختلفة تفسر طرحه رسمياً تعبيراً عن "الانزعاج الفلسطيني أو محاولة للتهديد والضغط السياسي على الراعي الأميركي والمفاوض الإسرائيلي، خاصة أنه لم يطرح بجدية كافية داخل أطر حركة فتح وبناها التنظيمية، كما لم يتم بحث تبعاته".

وما يزال الخط الرسمي السائد في فتح يرى بعدم استنفاذ الخيارات الفلسطينية الأخرى، بينما لا أحد يستطيع التكهن بمقدار المدة الزمنية التي قد يستهلكها كل خيار منها وصولاً إلى الخيار الأخير القائل بحل السلطة.

وتتمثل الخيارات الفلسطينية التي حددها المسؤولون الفلسطينيون في استمرار المفاوضات شريطة وقف الاستيطان، ومطالبة الولايات المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود العام 1967، والتوجه إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس ومطالبة واشنطن بعدم استخدام حق النقض "الفيتو".

ويتضمن الخيار الرابع في التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن البند المعروف باسم "التحالف من أجل السلام" الذي تتخذ فيه قرارات الجمعية العامة صفة إلزامية مثل قرارات مجلس الأمن، ومطالبة الأمم المتحدة بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، ووقف تطبيق الاتفاقيات الموقعة مع سلطات الاحتلال، وأخيراً حل السلطة ووضع الاحتلال أمام مسؤولياته ككيان محتل.

خيار حل السلطة

وقال رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك إن "قيادات الشعب الفلسطيني الفاعلة مدعوة للاجتماع للبحث، قبل النظر في حل السلطة، بالخطوات التالية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني".

وأضاف إن "البديل ديمقراطياً يتمثل في اجتماع قادة الشعب لتقرر ماذا ستفعل، ووضع استراتيجية عمل واضحة لتنفيذ الخطوات التالية".

وأوضح بأن "هناك تعثرات واضحة لمسار السلطة السياسي، ما أغلق أبواب الأمل أمام الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة الحركة الاستيطانية وتهويد المدينة المقدسة وتصعيد جرائم سلطات الاحتلال وضربها عرض الحائط لكل قرارات الشرعية الدولية".

 

ويأتي ذلك "في ظل إحدى عورات السلطة التي لا يملك أحد الدفاع عنها، وسط إملاءات وليس تعاونا أمنيا مع الاحتلال، لأن التعاون يكون بين طرفين ندين بينما ما يحدث راهناً مجرد إملاء من المحتل".

وقال إن القوى الخارجية التي أقامت السلطة تملك حلها بينما كان الطرف الفلسطيني الأضعف، وهو اليوم أكثر ضعفاً في ظل حالة الانقسام التي يعيشها وعدم وجود دعم لما يقوم به على الساحة، وبالتالي لا يملك أحد في السلطة قرار حلها حيث كان قيامها بقرار خارجي وليس وطنياً محضاً".

فيما رأى أمين سر لجنة المتابعة الوطنية وفصائل تحالف القوى الفلسطينية خالد عبد المجيد أن "حل السلطة بات ضرورة لمواجهة سياسة التوسع والاستيطان الإسرائيلي ومخطط الاحتلال الواضح بعدم السير بالعملية السلمية".

وقال إن "إعادة بناء منظمة التحرير يشكل مدخلاً رئيسياً لحل السلطة، مصحوباً بإعادة ترتيب البيت الداخلي وتحقيق المصالحة لمواجهة كافة الاحتمالات، ومراجعة شاملة لسياسات السلطة وقيادة المنظمة، وإعادة بناء المنظمة لتكون المرجعية العليا للفصائل والقوى الفلسطينية".

واعتبر أن "الالتزامات التي تكبل السلطة تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر بتغطية سياسات الاحتلال، وضم الأراضي والاستيطان والمخطط الإسرائيلي الذي يستهدف تصفية الحقوق الفلسطينية، ما يشكل قيداً على الشعب الفلسطيني".

اصطدام "الحل" بفكرة "الدولة الموعودة"

ويدرك القائلون بخيار "الحل" اصطدام فكرتهم بمروجي ضرورة بقاء السلطة بوصفها جسراً للدولة الفلسطينية التي يعد رئيس الحكومة في رام الله سلام فياض بقيامها العام الحالي، رغم الاحتلال وقضم الاستيطان المستمر للأرض المفترض وجودها لقيام الدولة.

ولا تخرج خطوات فياض في الضفة الغربية المحتلة بالنسبة إلى نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، عن إطار "تجميل وجه الاحتلال للتعايش معه بشكل طبيعي"، فالأولى عنده "التحرير ومن ثم بناء المؤسسات وليس العكس".

وقال إن "فياض يتحدث بلغة التغريب، حيث يردد ما سبق وأن طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن السلام الاقتصادي والأمن، فيتحدث عن بناء المؤسسات، متناسياً أن الأمر يتجاوز ذلك إلى ضرورة إيجاد سلطة تنفيذية قوية ومجلس نيابي وقضاء نزيه وعادل وإعلام حر".

ولا يجد خريشة "ضرورة لوجود السلطة في ظل أجواء الحصار والعدوان الإسرائيلي والاستيطان وتهويد القدس وانسداد الأفق السياسي وتنصل الاحتلال عن الاتفاقيات السابقة والتنسيق الأمني غير المسبوق بين السلطة والاحتلال، بينما تتآكل القضية الفلسطينية على الصعيدين الفلسطيني والعربي".

ودعا إلى "دراسة موضوعية من جانب منظمة التحرير وكافة القوى والفصائل والشخصيات المستقلة لجدوى وجود السلطة ومدى خدمتها للمشروع الفلسطيني والمصلحة الوطنية، ما يتطلب تهيئة الجبهة الداخلية لذلك ووقف التنسيق والتفاوض مع الاحتلال وكل أشكال العلاقة معه".

وتجد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليلى خالد ضرورة "حل السلطة"، معتبرة أن "بقاءها يضيف للاحتلال إمكانية استمرار احتلاله من دون رادع، في وقت لا تقوم فيه السلطة بحماية الشعب ولا تمتلك صلاحيات السيادة على الأرض، حيث تشكل أداة الاحتلال في إدارة السكان".

المقاومة الشعبية

ولكن "الوضع الراهن أخطر بكثير من مجرد التفكير بحل السلطة، في ظل استمرار الاحتلال بالنشاط الاستيطاني، ما يدمر آخر فرصة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وينزع أي قيمة عن مشروع السلطة"، حسب رأي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية النائب مصطفى البرغوثي.

وقال إن "الشعب الفلسطيني لن يقبل باستبدال الدولة بمجرد سلطة تحت الاحتلال، ولن يستبدل فكرة الدولة الحقيقية بمعازل و"كنتونات" على أقل من 40 % من مساحة الضفة الغربية، كما تريد سلطات الاحتلال".

وتابع "إذا استمر الجانب الإسرائيلي في منهجه، والمجتمع الدولي في تقاعسه، فإن فكرة الدولتين ستموت ومعها فكرة السلطة، وسيجد الشعب نفسه مجبراً إلى خيار الدولة الواحدة الديمقراطية".

ووجد بأن "لا مخرج إلا بتغيير الاتجاه وإنهاء المراهنة على مفاوضات لا قيمة لها وتغيير ميزان القوى، من خلال توسيع المقاومة الشعبية الجماهيرية السلمية، بما فيها مقاطعة بضائع الاحتلال وكسر الحصار عن قطاع غزة".

ودعا إلى "استنهاض حملة لفرض العقوبات على الكيان الإسرائيلي، واستعادة الوحدة الوطنية، وتغيير السياسة الاقتصادية لدعم صمود الشعب وبقائه على أرضه، مصحوباً بدبلوماسية مقاومة وانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 والتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار لاهاي حول جدار الفصل العنصري (تموز/ يوليو 2004) والمطالبة بفرض عقوبات على سلطات الاحتلال".

تحديات "الحل"

ولكن القائمين على السلطة الفلسطينية يؤكدون صعوبة خيار "الحل" لعدة مسوغات، حيث صدر قرار إنشائها عن منظمة التحرير التي تشكل مرجعيتها الوحيدة، فضلاً عن شبكة واسعة من المصالح والارتباطات المالية والسياسية والأمنية المعقدة التي تشكلت بين السلطة مع سائر الأطراف الدولية والإقليمية، ومع سلطات الاحتلال.

ويتطلب حل السلطة، بحسب رجالاتها، إيجاد بدائل لنحو 150 ألف وظيفة، وللمنح والمساعدات الدولية، بينما يتطلعون إلى قطاع غزة، حيث سيعد أي تفكير بحل السلطة في الضفة وكأنه تسليم لمرجعية الشعب الفلسطيني إلى حركة حماس.

ويرى مناصرو "بقاء السلطة" أن قرار الحل يتطلب دعماً عربياً ودولياً، لا يمكن ايجاده في ظل تداعيات كبيرة ستترتب لاحقاً، حيث سيعني "الحل" رسمياً انتهاء عملية السلام، ما يشكل رفضاً من جانبهم حتى وإن كانت تشهد راهناً جموداً وفشلاً في جهود استئناف المفاوضات، فضلاً عن اعتباره خياراً مرفوضاً من الاحتلال.

وتشغل تلك التحديات المساحة الأكبر من مقولات رفض الحل، حيث اعتبر عضو المجلس المركزي الفلسطيني وعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح الفريق عبد الرزاق المجايدة أن "هناك صعوبات كبيرة تقف دون حل السلطة".

وقال إن "وجود السلطة يمتد لسنوات طويلة أدت خلالها، وما تزال، مهام مادية وحياتية وواجبات تجاه الشعب والمناطق الفلسطينية، فضلاً عن التزاماتها الدولية، ما يصعب اتخاذ قرار بحلها".وأضاف إن "اتخاذ قرار الحل سيقود إلى تولي منظمة التحرير المسؤوليات، في الوقت الذي تعاني فيه من مشاكل ومطالبات بضرورة إعادة تفعيلها"، معتبراً بأن "حل السلطة سيخلق تبعات لا يمكن مواجهتها".

ووجد أن "البدائل المطروحة متعددة، ويقع في مقدمتها الذهاب إلى مجلس الأمن للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967، شريطة التحضير لتلك الخطوة لضمان عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض "الفيتو".

ويعتقد مناصرو بقاء السلطة بإن "الحل" يعتبر خياراً جذرياً سيغير المعادلة المحلية والإقليمية والدولية التي استقر عليها الصراع العربي - الإسرائيلي، وسيترك تداعيات وتأثيرات سلبية لن يتمكن الجانب الفلسطيني من مواجهتها، في ظل الانقسام الوطني الحاد.

بينما يجد آخرون أن قرار "الحل" يصب في صالح سلطات الاحتلال، رغم أن الأخيرة "نكلت بحل الدولتين، والواقع على الأرض لا يبشر بإمكانية ذلك والوقت ينفذ، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي سيستحيل تطبيقه سياسياً وجغرافياً في ظل سياسات نتنياهو وغض الطرف من أميركا"، حسب رأي عضو اللجنة المركزية لفتح محمد دحلان.

وقال إن "حل السلطة لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، في ظل تعقيدات الوضع الفلسطيني غير المسبوقة، ووسط اعتراف دول عريقة في العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة، بينما تعد السلطة إحدى محطات هذا المشروع".

ويأتي ذلك رغم "تدمير سلطات الاحتلال لدور السلطة حسب الاتفاقات وإضعاف أداءها السياسي والاستيلاء على صلاحياتها، فأعادت إلى الوجود الإدارة المدنية بينما تلزم الاتفاقات إسرائيل بحلها، كما استولت على المعابر وألغت وجود رموز السلطة فطردت الموظفين الفلسطينيين من جسر اللنبي مثلاً، واعتبرت المنطقة ’سي’ تابعة لها رغم صلاحيات السلطة فيها حسب الاتفاقيات".

بينما "يحتاج استعادة صلاحيات السلطة إلى قرارات تنفذ بجدية، فإما أن تقبل إسرائيل بنتائج اتفاق أوسلو على الأرض أو أن يعاد النظر في صلاحيات السلطة وطريقة تعاملها مع الجانب الإسرائيلي، في ظل بطء العلاقة الآتية بالعملية السياسية وإبعاد المقدسيين من بيوتهم وإصدار قرار 1560"، المتعلق بتهجير الفلسطينيين ممن يزعم الاحتلال بانتهاء إقامتهم.

البث المباشر