حصاد الداخل المحتل 2022.. غضب دفين فجرته عنصرية المحتل

حصاد الداخل المحتل 2022.. غضب دفين فجرته عنصرية المحتل
حصاد الداخل المحتل 2022.. غضب دفين فجرته عنصرية المحتل

الرسالة نت-محمود هنية

حفل العام 2022، بأحداث ومتغيرات مهمة على صعيد فلسطينيي الداخل، ودورهم الذي ‏بات يتعاظم سياسيا وداخليا في رفض الاحتلال، خاصة على ضوء تشكل الحكومة ‏الجديدة التي تمثل أقصى اليمين الفاشي لدى الكيان.‏

هذا التقرير يرصد أهم المتغيرات والأحداث التي أثرت في بيئة العمل الفلسطيني بالداخل ‏المحتل، وانعكاساته على القضية الفلسطينية.‏

يتلخص مشهد الداخل بين هبات شعبية غير اعتيادية فجرها النقب أول العام المنصرم، ‏مرورا بعمليات نوعية شهدها الداخل المحتل في تعبير عن روح ثورية جديدة، وصولا ‏لـمتغيرات في البنية السياسية للقوى الفلسطينية في الداخل.‏

‏ ثورة النقب!‏

افتتح العام المنصرم أبوابه بهبة شعبية في النقب، التي مثلت مسمارا مهما في نعش ‏حكومة نفتالي بينيت، وعبرت عن انفجار دفين في قلب البيئة الفلسطينية التي أجبرها ‏الاحتلال -تحت وطأة الظروف الاقتصادية والمعيشية- للانخراط في الجيش.‏

الهبة واجهتها قوات الاحتلال بسلاح غير تقليدي من بينها الهجوم بالطائرات المسيرة، ‏وقنابل الغاز، إلى جانب استدعاء قوات غير تقليدية من الجيش والشرطة لقمعها.‏

قيادات فلسطينية بالنقب، لخصت الموقف (الإسرائيلي) بمحاولة السيطرة على أجزاء ‏كبيرة من مساحته، وحصر السكان في أضيق مكان جغرافي.‏

عامر الهزيل، نائب رئيس بلدية رهط السابق، أوضح أن النقب مثل 60% من مساحة ‏فلسطين، وكان يقطنها مئة ألف مواطن قبل النكبة، جرى تهجيرهم ولم يبق سوى 16 ‏ألف شخص بحلول عام 1956م.‏

وأوضح الهزيل لـ"الرسالة نت" أن عدد السكان حالياً في النقب يبلغ 300 ألف شخص، ‏ويقطنون في 2% من أرض النقب التاريخية.‏

وذكر أن أحداث النقب هي نتيجة تراكمات عبر سنوات طويلة، وفي السنوات الأخيرة ‏استشرست عليها الحكومات اليمينية الفاشية، التي تكثف عملها على فكرة تهويد النقب، ‏ضمن استراتيجية متبعة وهي "تركيز أكبر عدد من العرب على أصغر بقعة أرض، ‏وتوسيع أصغر عدد من اليهود على أوسع بقعة من الأرض".‏

وشبه الهزيل التجمعات الفلسطينية في النقب بـ"علب السردين"، مشيراً إلى أن المعركة ‏اليوم هي معركة وجودية.‏

وأكد الهزيل أن الهبة الأخيرة في النقب حدث لم تشهده المنطقة من قبل، إذ بلغ عدد ‏المشاركين فيها 30 ألف شخص، ما دفع بشرطة الكيان لاستخدام أسلحة جديدة من ‏الطائرات دون طيران وقنابل غاز جديدة واستهداف مباشر للرأس والصدر، ما أوقع ‏الكثير من الإصابات الخطيرة.‏

وأشار إلى أنه تم إنشاء وحدة من مسرحي جيش الاحتلال في النقب، بهدف استهداف ‏الشباب بطريقة منتظمة.‏

وأكد أن الشباب بالنقب يتعرضون لحملة تحقيق واسعة من (الشاباك)، الذي يعتقل ‏العشرات من الشباب ويخضعهم لعمليات تحقيق في كل المجالات".‏

وفي السياق، قال إن "إسرائيل" بالغت في تصوير حالات التجنيد بين الشباب البدو، ‏مشيراً إلى وجود ارتفاعٍ في منسوب الوعي الوطني وانخفاضٍ في مستوى المشتركين في ‏التجنيد فتضاءل عددهم حتى أصبحوا على هامش الهامش.‏

وأضاف: "النقب جندي للدفاع عن شعبنا في كل مناطق تواجده".‏

‏استمرار الهدم بالنقب

من جهته، أكد عزيز الطوري عضو اللجنة المحلية للدفاع عن العراقيب بالنقب المحتل، ‏أن المنطقة تعرضت للهدم أكثر من 270 مرة منذ العام 2010‏ دون توقف.‏

ولفت في تصريح خاص بـ"الرسالة نت" إلى أن الاحتلال استخدم كل الوسائل لسلب ‏النقب بما في ذلك توظيف القوانين، التي وضعها لمصادرة قرابة 150 ألف دونم، مشيراً ‏إلى أنه منذ سبعينات القرن الماضي، لم يبقَ للعرب فعلياً سوى 80 ألف دونم من ‏الأرض.‏

وأكد أن 40 قرية مسلوبة الاعتراف مهددة بالهدم في النقب، وهو وجه آخر للنكبة.‏

‏ اللد‏

بموازاة الهبة الشعبية بالنقب، لا تزال سخونة تداعيات الهبة الشعبية التي شهدتها اللد ‏صيف العام الماضي مستمرة لهذه اللحظة، في ظل مخاوف (إسرائيلية) متواصلة من ‏التعامل مع ارتداداتها كشاهد على مخزون دفين من الغضب في نفوس الفلسطينيين.‏

وعدت الأوساط الأمنية والسياسية (الإسرائيلية) ما جرى في اللد، بمنزلة تهديد استراتيجي ‏كبير وخطير، إذ وصفه وزير الحرب بني غانتس بالسيناريو الأكثر صعوبة آنذاك.‏

عضو المجلس البلدي عن اللد محمد أبو شريقي، أوضح ابتداء أن عدد سكان المدينة ‏من الفلسطينيين 33 ألف مواطن من أصل 90 ألفا يقطنونها.‏

وأكد أبو شريقي لـ"الرسالة نت" أن هذا العدد يمثل حالة من القلق لدى المؤسسة ‏‏(الإسرائيلية) بوصفها تعبيرا عن صراع ديمغرافي ممتد، وفق تعبيره.‏

وبين استمرار محاكمة سلطات الاحتلال لـ23 معتقلا من شباب هبة اللد، من أصل 70 ‏شابا تم اعتقالهم على خلفية الأحداث، إلى جانب صدور أحكام بالسجن لفترات بلغت 12 شهرا، على اثنين من هؤلاء الشباب.‏

واستشهد خلال الهبة الشاب موسى حسونة على يد سلطات الاحتلال.‏

وذكر أن التحريض (الإسرائيلي) على الفلسطينيين باللد وبقية المدن الساحلية والمدن المختلطة، ‏لم يتوقف، متابعا: "تهديدات بن غفير لا تخيف شعبنا، وثابتون على أرضنا مهما كان الثمن". ‏

ولفت لتقديم الاحتلال مخططات تهويدية للأحياء العربية في المنطقة، من بينها مشروع بناء ‏عمارات سكنية كبيرة في البلدة القديمة.‏

وأوضح أن أهداف المشروع الأساسية تتمثل في تهويد البلدة القديمة في اللد، وكذلك إخلاء ‏الفلسطينيين من حي "رمات اشكول" والبلدة القديمة وتغيير التركيبة السكانية فيها تمهيدًا لإخلاء ‏اللد كاملةً من الفلسطينيين.‏

‏ الذئاب الصاخبة!‏

ما سبق من تحريض وعدوان مستمر، فجّر حالة من العمليات الفدائية وقف عليها شباب ‏فلسطينيون من الداخل المحتل، في خطوة عبرت عن "السيناريو الأفظع" للاحتلال "حرب داخل ‏الخاصرة"، بوصف كبار محلليهم العسكريين والسياسيين.‏

تركزت العمليات ما بين شهري مارس وإبريل، فبعد شهرين من قمع انتفاضة النقب، نفذ الفدائي ‏الفلسطيني الشهيد محمد أبو القيعان من قرية الحورة في النقب الفلسطيني المحتل عملية بطولية ‏في مدينة بئر السبع المحتلة، فقتل 4 مستوطنين، وأصاب آخرين بجراح خطرة، بعد أن دهس ‏بسيارته جمعاً من المستوطنين، ثم طعن عدداً منهم. واستمرت العملية ما يقارب 8 دقائق.‏

وبعدها بشهر واحد، وقعت "عملية الخضيرة" التي نفذها الشهيدان خالد وأيمن اغبارية من مدينة "ام ‏الفحم" المحتلة وأسفرت عن مقتل (إسرائيليين) وإصابة أكثر من 10 آخرين بعد أن فتح المقاومان ‏النار أمام حافلة تقل المستوطنين، وقد أبلغ مستوطن شرطة الاحتلال بأنه "سمع حوالي 50-60 ‏رصاصة في مكان العملية". ‏

ومثلت هذه العمليات في جوهرها صفعة أمنية واستخباراتية للكيان (الإسرائيلي) من المناطق التي ‏يعتبرها "عمقه".‏

‏ قوانين تدميرية!‏

واستغل الاحتلال هذه الأوضاع، لفرض مزيد من القرارات القمعية بحق فلسطينيي الداخل، خاصة ‏بتطبيق عقوبة الاعتقال الإداري وهي سابقة في تاريخ أراضي الـ 48 التي تخلصت من "قانون ‏الطوارئ" بعد عام من النكبة، بالإضافة إلى تعزيز تواجد شرطة الاحتلال في بلدات وقرى الداخل ‏المحتل.‏

كما أقر الكنيست في شهر أبريل الماضي، ما يسمى ب "قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل"، ‏فيما وصفه مطلعون على هذا القانون بأنه عنصري، هدفه سياسي ديمغرافي يقوم على محاربة ‏الوجود الفلسطيني في القدس والداخل الفلسطيني عام 48 وسائر الأراضي الفلسطينية، ويندرج في ‏إطار سياسة التطهير العرقي التي تمارسها سلطات الاحتلال.

وأكد محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية، أن (إسرائيل) تتعامل بوصفها دولة ابارتايد عنصري ‏مع فلسطينيي الداخل، ولا تدخر جهدا في محاولة شرعنة القوانين التي تعمل على نزع الفلسطيني ‏من أرضه واستكمال سياسة التطهير العرقي بحقه.‏

وأوضح بركة لـ"الرسالة نت" أن هذه القوانين في مجملها تعمل لفكرة "يهودية الدولة" التي تسعى ‏إليها أقطاب اليمين الفاشي المستحكم في العنصر (الإسرائيلي) خلال السنوات الأخيرة.‏

وذكر أن المؤسسة (الإسرائيلية) تقود صراعا ديمغرافيا وجغرافيا متواصلين على مدار اللحظة مع ‏فلسطينيي الداخل، لدفعهم للعيش في كانتونات صغيرة جدا على قاعدة "العدد الكبير من السكان ‏على أقل مساحة ممكنة من الأرض".‏

وذكر أن هذه القوانين هي عبارة عن انعكاس لحالة اليمين التي بدأت تتغلغل بالمجتمع (الإسرائيلي) ‏وظهرت بشكل جلي لانزياح المجتمع (الإسرائيلي) نحو اليمين الصهيوني الديني المتطرف أو ‏اليمين القومي المتطرف.‏

‏ تفشي العنف!‏

مقابل السطوة (الإسرائيلية) على فلسطينيي الداخل، إلا أنها أفلتت عقال العصابات التي تنخر في ‏جسدهم، مستمدين قوتهم من جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية للاحتلال.‏

رئيس مركز أمان لمكافحة العنف كامل ريان، يصف ما يعيشه فلسطينيو الداخل بـ"النكبة الأكبر"، ‏إذ يشير إلى مقتل قرابة 1700 فلسطيني منذ العام 2000 نتيجة تفشي ظاهر العنف والجريمة.‏

وأوضح ريان لـ"الرسالة نت" أن معدلات الجريمة تجاوزت 18% في السنوات الأخيرة، ويشهد ‏المجتمع العربي سنويا قرابة 35 ألف حالة إطلاق نار على المنازل والمؤسسات والمرافق العامة.‏

وذكر ريان أن الأخطر يتمثل في انتشار العصابات، "وهي تعمل على إرهاب المواطنين وانتزاع ‏أموالهم بالإجبار (..) عصابة من هذه العصابات يبلغ عدد أفرادها قرابة 200 شخص مسلحين ‏بكامل عتادهم".‏

وبين أن هذه العصابات باتت تتفوق على شرطة الاحتلال في بعض الأحيان إلكترونيا.‏

ويشير إلى أن الاحتلال لم يكن يرغب في البداية بمواجهتها رغم قدرته على ذلك؛ لكن اليوم ‏الأمر أصبح أكثر تعقيدا وصعوبة.‏

وبلغت حصيلة ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، منذ مطلع العام الجاري 2022، 107 ‏قتلى بينهم 12 امرأة؛ وفي العام 2021 ارتكبت أكثر من 111 جريمة قتل في المجتمع العربي، ‏في رقم قياسي غير مسبوق.‏

 

البث المباشر