تعد بركة السلطان في مدينة القدس حوضا قديما للمياه، تعود جذورها للعصر اليوناني وتقع في الجانب الغربي من جبل صهيون في مدينة القدس، وهي المسؤولة عن إيصال المياه للمناطق المجاورة لها منذ العصر اليوناني حتى العصور الإسلامية.
ويقال إنها أهملت في العصر المملوكي، ومن ثم رممت في العصر العثماني في عهد سليمان القانوني وتزامنا مع بناء سور القدس.
وعادت وظيفة الحوض مجددا في العصر العثماني بعد أن نالت اهتماما من السلطات الحاكمة واستمرت تمد المنطقة بالمياه حتى دخول الاحتلال في عام 1948.
وكعادة الاحتلال -الذي ينتهج سياسة التهويد- غيّر معالم المنطقة وحوّل المكان إلى ساحة ومدرج مغلق للاحتفالات، تنتشر حوله الأعلام الصهيونية، فيما تقع غرب هذه البركة مغتصبة صهيونية تعرف بالحي المينتوفيوري الذي أقيم بنفقة من اليهودي البريطاني منتوفيوري.
المكان الأثري ليس بركة ماء فحسب، بل هناك سبيل بركة السلطان الواقع جنوبها، وهو السبيل الوحيد من أسبلة سليمان القانوني الستة الذي يوجد خارج البلدة القديمة ويعرف أنه كان يمر فوق البركة من جهة الجنوب، في الطريق الذي يصل بين القدس وبيت لحم، وفي الجانب الشمالي من هذا الطريق، لا يزال السبيل.
وحسب موقع تاريخ القدس فيوجد في نفس الموقع قنوات مياه قديمة أنشأت في العهد المملوكي وكانت تستخدم لنقل المياه من ينابيع نهر العروب الذي يبعد عن القدس قرابة 22 كم، ويرتفع عن سطح البحر قرابة 770 متر عن سطح البحر.
وكان السلاطين المماليك والعثمانيون يولون عناية فائقة لصيانة قناة السبيل، وتم تكليف سكان بيت لحم وبيت جالا بمهمة ترميمها والإشراف عليها.
ويذكر المؤرخ المقدسي إيهاب الجلاد أن البركة بالأرض المحيطة تعتبر هدفا مهما بالنسبة للاحتلال فهي أعلى نقطة موجودة في محيط المسجد الأقصى، وتقع على مدخل بوابة باب الخليل وتؤدي إلى الأسواق في البلدة القديمة، ويطل على ساحة مسجد عمر، موضحا أنها جزء من الأرض العمرية الموقوفة منذ زمن صلاح الدين.
وموقع الأرض هو الأهم في القضية، وفقا للجلاد، لذا فإن بركة السلطان الأثرية لتجميع مياه الأمطار ذات المساحة الضخمة مهمة بالنسبة للاحتلال كونها تطل على البلدة القديمة بما فيها المسجد الأقصى وباب الخليل وكنيسة القيامة.
وبدأت أعمال الاستيطان للمنطقة في عام 2010م حينما كشفت ما تسمى بسلطة الآثار (الإسرائيلية) أثناء حفرياتها في المنطقة عن جزء من جسر أثري قديم بناه السلطان محمد بن قلاوون، وذلك حسب النقوش والكتابات على الجزء المكتشف.
وكعادته، حرف الاحتلال الرواية مدعيا أن هذا الجسر بني على آثار كانت موجودة في عهد المعبد الثاني، وكانت هناك قنوات مياه بنيت فيما يسمونه "عهد الحشمونائيم".
المؤرخ المقدسي، روبين شمسية، بين أن منطقة البركة بالإضافة إلى منطقة فندق إمبريال وباب الخليل كلها تقع ضمن الأرض العمرية وهي أرض وقف، وتسمى "الأرض الحرام" وتمتد من المنطقة التي تفصل شرق القدس عن غربها، والاحتلال بدأ فيها منذ سنوات مشروع ما يسمى "حدائق داوود".
وأشار إلى أن هذه الحفريات الصهيونية والإعلان عن أن هذه الآثار أو ما تحتها يعود إلى عهد المعبد الثاني، ما هو إلا حلقة في مسلسل تزوير تاريخ المدينة المقدسة وتهويدها.
وقال شمسية: "ما عثر الصهاينة خلال حفرياتهم على آثار إسلامية إلا ادعوا أن ما تحتها يعود إلى عهد المعبد الأول أو الثاني، في محاولة منهم لإقناع العالم أن الآثار الإسلامية في القدس تقوم فوق آثار يهودية مختفية وهذا ما لم يستطع الصهاينة إثباته إلى الآن".
الاحتلال لا يهدف فقط إلى تغيير معالم المدينة فحسب، من خلال مشروعه الاستيطاني، بل يرى شمسية أنه يريد أن يربط شقي المدينة المحتلة عام 1948 والشق الشرقي المحتل عام 1967 بمشاريع استيطانية تؤثر على عروبة المدينة وهي جميعها تتبع المشاريع التهويدية المقامة في باب الخليل.
وأكد أن المشاريع المقامة في البلدة القديمة وغيرها التي لا زالت في طور البنيان تهدف بالدرجة الأولى إلى تهويد العاصمة المقدسية والقضاء على معالم العروبة فيها.