قالت صحيفة هآرتس العبرية، إن جيش الاحتلال (الإسرائيلي) يتعمد منع سيارات الإسعاف التابعة للطواقم الطبية والهلال الأحمر من الدخول إلى مخيم جنين خلال عملياته العسكرية التي نفذها مؤخرًا وخاصة في يوم المجزرة التي وقعت في السادس والعشرين من الشهر الماضي.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا المنع يتسبب في استشهاد مزيد من الفلسطينيين ويمنع إنقاذ حياتهم في الوقت الذي يمكن أن يكون ذلك بداية إصابتهم.
وقال سكان ومسعفون من جنين، أن جيش الاحتلال أبلغ السلطة الفلسطينية بنقل رسالة للطواقم الطبية أنه كل من يقترب من الجرحى ويقدم لهم علاجًا أوليًا سيعرض حياته للخطر، وهذا ما جرى مع المدرس جواد بواقنة بعد أن أطلق النار عليه قناص (إسرائيلي) من داخل أحد المباني التي سيطرت عليها قوات عسكرية عقب اقتحامها للمخيم، وفي يوم المجزرة التي وقعت نهاية الشهر الماضي، تعرضت سيارة إسعاف لطلق ناري كان يقودها المسعف فادي جرار خلال محاولته الوصول للجرحى.
وقال ناطق باسم جيش الاحتلال، إنه من الضروري القيام بتنسيق من أجل السماح بنقل الجرحى، في حين أن ذلك يستغرق وقتًا وقد يكلف فقدان حياة الفلسطيني المصاب في ظل عدم وجود تدخل عاجل، كما يؤكد مسعفون.
في التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، استيقظ جواد بواقنة وأفراد عائلته على صوات الإنذار الذي يشير إلى وجود قوات (إسرائيلية) اقتحمت مخيم جنين، ومع اشتداد إطلاق النار، تجمعت عائلته في غرفته بسبب أن الرصاص يدخل إلى المنزل كما جرى في اقتحامات سابقة، كما يقول الابن البكر "فريد".
عند نحو الساعة الرابعة فجرًا كما يروي فريد نجل جواد بواقنة، سمعوا أحد الشبان يستنجد بهم من الشارع المطل على نافذة منزلهم، فخرجت ابنتهم آلاء وهي معلمة رياضة، ونجحت بالوصول للشاب، الذي كان يتواجد على بعد 8 أمتار من باب البيت، ونجحت في سحبه لنحو 3 أمتار، وحين انضم إليها والدها وهو يرتدي البيجاما، وحاول سحب الجريح مع ابنته، قبل أن يسقط أرضًا بعد أن اخترقت رصاصة كتفه اليسرى وصولًا إلى صدره، ليسقط مصابًا أمام أبنائه.
سحب فريد والده الجريح إلى مدخل البيت وكانت قدماه لا تزالان خارج الباب، فأطلق القناص رصاصت أخرى نحو فريد، في وقت كانت تحاول فيه سيارة إسعاف للهلال الأحمر الوصول إلى المكان، إلا أنه تم وقفها لمدة 45 دقيقة، كما يقول محمود السعدي مدير الإسعاف والطاورئ في الهلال الأحمر بجنين.
كانت سيارة عائلة بواقنة متوقفة داخل ساحة المنزل، ونجحت ابنته آلاء في الوصول إليها ونقلت من خلالها والدها، ولدى وصوله المستشفى أعلن عن استشهاده، ثم وصلت لاحقًا جثة الشاب الذي حاولوا إنقاذه وهو الشهيد أدهم جبارين من نشطاء الجهاد الإسلامي.
والتقديرات في أوساط السكان والهلال الأحمر، هو أن النار الفتاكة جاءت من مبنى عال يقع على مسافة نحو 250 مترًا شرق بيت العائلة.
بعد أسبوع - كما تقول الصحيفة - اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين، وفي وضح النهار، دوت صفارات الإنذار التي سمعها المسعف فادي جرار، فخرج من بيته باتجاه مكتب المسعفين التابع للهلال الأحمر، وحاول هو وزميله محمد بلعاوي وممرض آخر انضم إليهما تطوعًا الوصول إلى أقرب مسافة ممكنة لمن يحتاج إلى علاج ونجدة في المخيم، وفي تلك الساعة كان هناك بلاغ عن أول مصاب وهو عز الدين صلاحات الشرطي الفلسطيني ولاعب كرة القدم، والذي حين لاحظ المستعربين فتح النار عليهم قبل أن يتم إطلاق النار عليه فورًا.
وخلال الاقتحام وقفت مركبة عسكرية (إسرائيلية) ومنعت سيارة الإسعاف التي كان بها جرار من الوصول إلى منطقة الحدث، وحاول التنقل والالتفاف من عدة طرق ونجح مع طاقمه في الوصول لمصابين، إلا أنه في إحدى المرات تم إطلاق النار على مركبته ما أدى لإصابة الزجاج الأمامي للإسعاف برصاصتين، قبل أن تمنعه جرافة عسكرية من الخروج خلال محاولته الانسحاب من المكان بالجرحى، إلا أنه بعد 15 دقيقة اضطروا للعودة إلى الزاوية التي كانوا يتمركزون فيها بالمخيم ويحاولون إسعاف الجرحى، إلا أن أحدهم استشهد متأثرُا بجروحه.
وتنقل الصحيفة عن "بتسيلم" أنه ليست المرة الأولى التي يتم فيها عرقلة عمل الطواقم الطبية وإطلاق النار على سيارات الإسعاف، فهي ليست ظاهرة جديدة، حيث أنه في تشرين الثاني 2020 خلال تظاهرة قرب حاجز تياسير شمال غور الأردن، حاول الجنود أن يخرجوا متظاهر جريح بالقوة من سيارة إسعاف كان يتلقى فيها علاجًا بعد أن أصيب بعيار مطاطي، وتكرر ذلك سابقًا خلال احتجاجات على إقامة بؤرة افيتار في أيار 2021، وفي الاجتياح العسكري لنابلس في تشرين الأول الماضي.
يقول محمود السعدي مدير الطوارئ والإسعاف في الهلال الأحمر بجنين، إن الفرق هذه المرة أنهم أبلغوهم رسميًا بأنه ممنوع على سيارات الإسعاف الدخول وتم نقل ذلك إليهم عبر الارتباط العسكري الفلسطيني، وأنه يجب التنسيق قبل ذلك، وأنه خلال يوم المجزرة سمح لسيارة إسعاف بالدخول للمخيم بعد ساعة وربع من بدء التنسيق وأنه يسمح لسيارة واحدة وأن تتحرك بحذر.