يسارعون إلى نقطة الغليان الأمريكية

القدس المحتلة- الرسالة نت

الولايات المتحدة هي على ما يبدو الامبراطورية الأكثر صبرًا وليبرالية وديمقراطية في تاريخ العلاقات الدولية. الأب المؤسس جورج واشنطن قدمها على أنها مَن تريد الانفصال تماما عن العالم القديم، الفاسد كثير المؤامرات، والاعتماد في أمنها على المحيطيْن اللذين يطوقانها. كان ذلك في أواخر القرن الـ 18، لكن الانفصالية التحذيرية ما تزال تلوح في أذهان ملايين الأمريكيين.

الرئيس جيمس مونرو ظل وفيًا للانفصالية، لكنه شذ عن عادته في 1823 بالنسبة لمصلحة الولايات المتحدة في منع التسلل الأوروبي إلى جنوب أمريكا. تيودور روزفلت كانت له تأملات في الخطيئة الامبراطورية في بداية القرن الـ 20، لكن أمريكا سجدت لفكرة الانفصالية، التي كرست تورطها في الحربيْن العالميتيْن، لكن قوتها فرضت عليها تقريبًا أن تتصرف كإمبراطورية لكي تكبح الشيوعيين، وبالمقارنة مع الديمقراطية كانت معتدلة، وقد غضت الطرف أكثر من مرة عن خرق شركائها الأوروبيين للتعهدات. ضبطها لنفسها في معاقبة ألمانيا واليابان يشهد على ذلك أيضًا.

(إسرائيل)، بصفتها البنت العزيزة، استمتعت بوسائل متعتها الامبريالية؛ وخرجت ثملة. الرومان احترموا العلاقة التي أوجدها معهم المكابيون في حربهم في اليونان حوالي 160 سنة قبل الميلاد؛ إلى ان بلغ السيل الزبى، وردوا على التمرد الذي اندلع في 66 ميلادي بخراب الهيكل).

لكن أيضًا في سنوات الاستقلال الـ 75، لم يجرِ كل شيء بسلاسة. في أواخر "حرب التحرير"، بقيادة قائد البلماخ يغال الون، الأكثر شعبية بين أبناء جيله؛ احتل الجيش (الإسرائيلي) بقعة أرض في سيناء. السفير الأمريكي جيمس ماكدونالد نظر إلى بن غوريون بنظرة كئيبة، فسحب الأخير جيشه إلى الوراء دون أن يرخي سمعه لصرخات انكسار الون. مع نهاية عملية سيناء، رسالة توبيخ من الرئيس ايزنهاور كانت كافية لتبعد بن غوريون عن هلوسة إسرائيل بالسيطرة على مضائق تيران.

المقابل الأكثر شبهًا في منظومة العلاقات التي من شأنها أن تحدث الآن - لا قدر الله - وقع بعد حرب "يوم الغفران". فخر الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر اقترح أن تنسحب (إسرائيل) في سيناء إلى معبري الجدي والمطلة كترتيب مؤقت مع مصر. كانت هذه في الأساس مبادرة موشيه ديان قبل الحرب، وأيّدها اسحق رابين بصفته سفير، لكن الآن وبصفته رئيس للحكومة رفضها.

بصفتي مبعوث صحيفة "هآرتس" في واشنطن، قال لي كيسنجر الغاضب على إسرائيل "أمريكا لا يجب أن تصرخ لكي يسمع صوتها في كل أنحاء العالم". وبالفعل، فقد مارس ضغطًا بلا عراك علني، لكنه فعال، وسارع رابين بالخضوع. استخدم الاتفاق المرحلي مدماكًا مهمًا للسلام، والأكثر أهمية أن مناحيم بيغن وقع مع أنور السادات الاتفاق النهائي بعد حوالي ثلاث سنوات.

من لا يرى أن الولايات المتحدة تحت جو بايدن تمشي بهدوء دمث نحو نقطة الضغط، لا يعرف أسلوب الدبلوماسية الأمريكية أو أنه يجعل من نفسه أعمى.

واشنطن لن تسمح بأن تتعهد لها (إسرائيل) في قمة الأردن بتأخير البناء في المستوطنات، وأن يلغي وزراء مثل سموتريتش وبن غفير على الفور هذا التعهد، وبنيامين نتنياهو يمتنع عن إقالتهما، ولا أن يفقد الجيش الإسرائيلي الممول من قِبلها والمزود بسلاحها القدرة أمام المذبحة اليهودية في حوارة، ولا أن ينشب كل يوم صراع على محور القدس - واشنطن، حتى يهين بايدن بيبي، فلا يدعوه إلى البيت الأبيض.

أمريكا تسير باتجاه المفترق الذي تفرض فيه على نتنياهو، كما تصرف كيسنجر مع رابين "يا لك من ذكي؟ يرى ما يتولد". بيبي يستطيع منع وضع فيه يعود بايدن إلى مرحلة الفرض، ومن مثله يفهم معنى التغيير في التصويت الأمريكي في الأمم المتحدة في الطريق إلى المحكمة في لاهاي؟

عمليًا، نتنياهو يعيش الآن في حصار؛ لكنه يتمسك بكرسيه مثل مجرم عند مذبح في مدينة الملجأ. من الجدير أن ترتب له صفقة ادعاء في محاكمته، والسماح "لليكود" بتشكيل حكومة يمين معقولة تعيد إلى البلاد الهايتك، الأمن، والاحترام، والصداقة التي ما تزال تنبض في البيت الأبيض.

مقال للكاتب (الإسرائيلي) دان مرغليت

المصدر:  مركز أطلس للدراسات والبحوث.

البث المباشر