بعد سياسة الاعتقال السياسي التي تنتهجها السلطة في الضفة المحتلة، ظهرت أسماء منذ سنوات اشتهرت بالملاحقة الأمنية بحجة إثارة الفتنة في المجتمع الفلسطيني، لكن في حقيقة الأمر هم مجموعة من الشباب يحاربون الظلم ويطالبون بالعدل بصوت عال عبر المنصات المتاحة أمامهم.
منذ عقد تتكرر عبر الأخبار أسماء لنشطاء سياسيين تلاحقهم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ومنهم عبد الله شتات -32 عاما- من بلدة بديا في محافظة سلفيت، الذي يعلق دوما على اعتقاله "هذا طريقي وصوتي سيصدح للمطالبة بحق المظلومين".
منذ 2011 أصبح اسم شتات عنوانا لكثير من التقارير والأخبار الصحفية، فتارة لاعتقاله لدى السلطة بسبب منشور وضعه عبر الفيسبوك، وتارة أخرى يلاحقه الاحتلال ويعتقله لشهور.
في حديث خاص مع (الرسالة نت) يقول شتات: "في عام 2011 وقبل إنشائي حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعرضت للاعتقال السياسي 4 مرات (..) وبعدما أفرج عني. وقتها قررت الحديث بصوت عال عما يجري داخل معتقلات السلطة في الوقت الذي لم يجرؤ أحد على ذلك".
وتابع: "كنت مشاركا في مبادرات "ارفع صوتك، مش رايح، لا للاعتقال السياسي، امزع وارمي"، مضيفا: ثم أنشأت حسابا على الفيسبوك بدأت أنشر عبره ما كان يجري معي وقت الاعتقال خاصة أنني قررت رفض الظلم كاملا وشرح ما يحدث لي وللآخرين".
ويذكر شتات أنه يعمل في منصة P بلس، وهو مشروع بدأ بفكرة صغيرة محتواها وطني فلسطيني داعم للرسالة والرواية الفلسطينية مقابل الرواية (الإسرائيلية) والتطبيع العربي.
اختفى صوته قليلا بسبب صوت (المنشار الكهربائي)، ليعتذر ويكمل حديثه ضاحكا ويقول: اليوم أعمل نجارا وحتى نوفمبر 2023، فالاحتلال يمنعني من مزاولة الصحافة منذ 2019 لمدة خمس سنوات".
ويحكي عن متابعته للأحداث أولا بأول وذلك بمساعدة زوجته الصحافية مادلين فقهاء، فهي تلخص له مساء وبعد عودته من المنجرة ما يجري من أحداث في الضفة وغزة والقدس، ثم بعدها يعقب بمنشور عبر الفيسبوك.
ويؤكد أنه رغم تعرضه للاعتقال والضرب والتهديد من السلطة إلا أنه لن يتوقف يوما عن النشر وسيواصل مهمته في رفع صوت المظلومين، مشيرا إلى أن أحد الضباط هدده بالقول "يدنا ستغتالك ونحن في الميدان"، لكنه أكد أنه لن يتراجع عن مبدئه.
ولفت شتات إلى أن كثرة الاعتقالات جعلته أيقونة بين الناس فباتوا يهتمون لكل ما ينشره كونه نابع من تجربته، خاصة أنه يدون سريعا ما يتعرض له بعد الإفراج عنه مباشرة، مشيرا إلى أنه طور كثيرا من أدواته لنقل معاناة المعتقلين سياسيا.
الاعتقال والعائلة
يعيش الناشط السياسي شتات برفقة زوجته واثنين من أطفاله حالة من الترقب بشكل دائم، وحول موقف عائلته من نشاطه وانتقاده لسلوكيات السلطة والاحتلال وكثرة الاعتقالات، يحكي أنه قبل زواجه كان يعيش في صراع كبير وتفكيره كان مختلفا، معلقا " أمي وابوي كانوا برنوا علي باليوم الواحد 30 مرة خاصة لو كان هناك حدث ودوما يتساءلون " كيف وضعك؟، وين أنت؟".
ويكمل حديثه:" حالة من الطوارئ كانت تصيب عائلتي حال انتهت بطارية الهاتف المحمول، فهم يعتقدون سريعا أنه تم اختطافي من الشارع كما العادة، ودوما يعيشون أجواء بوليسية فمثلا باب البيت دوما مغلق بشكل محكم وترفض أمي أن يفتح أحدنا الباب سواها لأنها تظن الطارق عناصر أمن السلطة أو الاحتلال، وحين تطمئن تدفع بأحد اخوتي لفتحه"، موضحا أن سبب خوفهم يرجع إلى حالات الترهيب والتهديد التي كانت تصلهم.
أما عن زوجته يؤكد أنها "جيشه الدائم"، فهما يعيشان حياة مختلفة فالزوجة تدرك منذ ارتباطهما طبيعة حياته، وقبلت بذلك كونها تنتمي لعائلة اعتادت على ذلك، مشيرا إلى أنهما ليلا يتناوبان أحدهما يستيقظ لساعات ليبادله الاخر بالنوم خاصة حال كان لديه تهديد بالاعتقال.
ويذكر متهكما أن صوت (ناقلة النفايات) التي تأتي عند الثانية ليلا، يشبه صوت (عزيزة) – جيب الاحتلال (الإسرائيلي)-، ودوما يتنافس مع زوجته ليخمنا أي واحدة منهما، مشيرا إلى أن آخر اعتقال له مؤخرا سمعت زوجته الصوت وأخبرته "يلا قوم جهز حالك عزيزة اجت".
ويؤكد شتات أن كل شيء تجرعه الفلسطيني من الاحتلال والسلطة حصل معه دون أن يتراجع ولو لمرة، مبينا أنه لم يشعر بالخوف يوما ويدرك أن الرزق على الله وطريقه طويل في الجهاد والدفاع عن المظلومين.
وعن حلمه يقول: "أسعى لأكون صوت المظلومين في وجه الظالم".