ببراءة الأطفال، ورغم عدم تجاوز عمره عامين، وقف "سيف القدس"، نجل الأسير المحرر عبدالله العمايرة، ممسكاً بهاتف نقّال محاولاً الاتصال بوالده ومعرفة متى سيعود حاملاً له ما يحب من حلويات وسكاكر، غير أنّ ما يجهله ذلك الطفل هو مكان وجود والده.
فمن جديد، ومع اليوم الأول لشهر رمضان المبارك، عادَ حبلُ الاعتقال السياسي ليلتفّ حول عنق المحرر "العمايرة"، الذي عانى ما عاناه في سجون الاحتلال تارةً، وفي سجون الاجهزة الأمنية تارةً أخرى، حيث اعتقلته قوة أمنية مساء اليوم الأول من الشهر الفضيل، لتفقده عائلته على مائدة إفطارها، فيما انتشر مقطع فيديو يُظهر لحظة قيام أفراد الأجهزة الأمنية باعتقاله بطريقة وصفت بالهمجية.
فَقَدَ عبدالله العمايرة من دورا جنوب الخليل، قبل أشهر ابنه بعد معاناة مع المرض، ورفْض توفير تحويلة طبية له، وقبلها بعام توفيت ابنته "سارة" نتيجة المماطلة بتوفير تحويله طبية لها لزراعة القلب في الخارج، رغم أنّه طرق العديد من الأبواب، لكنه لم يحصل على ما كان يتمناه لطلفته.
وبسبب القيود والملاحقة التي يتعرض لها، فهو ممنوع من العمل في الداخل المحتل ولأنه أسير سابق قرر "العمايرة"، أن يعتمد مصدر رزقٍ له بالبيع على "بسطة قهوة"، وسط مدينة دورا، حتّى بات يُعرف بـ"بائع القهوة الخلوق".
يصف من يعرفون عبدالله العمايرة بأنّه شاب دمث الأخلاق، وطني بسيط، ومكافح ومحبوب من الجميع، ورغم المعاناة التي عايشها بعد وفاة ابنيه، إلا أنه تعرّض للملاحقة والاستدعاء أكثر من مرّة، والتضييق عليه أثناء عمله على بسطته المتواضعة وسط دورا، واليوم يُغيب في سجون الأجهزة الأمنية.
ومع إعادة اعتقاله مجدداً لدى الأجهزة الأمنية، عبّر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعيّ، عن تضامنهم الكامل مع "العمايرة"، مستهجنين ملاحقته، ومطالبين الجهات الحقوقية -خاصة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان- بالتدخل للإفراج عنه.
وقال الناشط عقيل عواودة معلقاً على اعتقال "العمايرة": "هل تعرفون بائع قهوة الفقراء؟ عند كل اعتقال سياسي أعود لتاريخ عائلة المعتقل فأجده أبيض ناصعاً وأجد أن الوطن قد دق بابهم أكثر من مرة ليأخذ ثمن الحرية.
وتابع: عبد الله العمايرة أعرفه جيداً وأعرف خلقه وتاريخ عائلته الأبيض، أعرفه منذ أن كنت في الابتدائية فقد كان زميل الدراسة".
وقال: "عبد الله يعيش في ضيق من كل شيء في الرزق والسعادة لكن الله منحه من الكرامة الكثير الكثير.. هذا الشاب الخلوق الدمث دفن قبل عام طفلته وقبل اشهر طفله الاخر ، عبد الله دق خزان أصحاب الأبراج العاجية وصرخ كثيرا وأحسب أن السماء اهتزت لصرخاته كيف لا وهو الصابر المحتسب المظلوم دون أي مساعدة من أجل أطفاله الذين دفنهم على أمام أعيننا جميعاً".
من جهته، كتب الصحفي علاء الريماوي: "الجميل عبد الله عمايره.. يصنع ابتسامة يعبر عن أصالة الناس وصورتهم المتعبة، رسم هو و"شلة الطفرانين" براءة الناس وحكايتهم المتفاعلة بصدق، امتلكوا قلوب الناس دون واسطة ولا محسوبية، صدقناهم بكل مشاعرهم، ابتسامتهم، تفاعلاتهم، حتى حين يعترضون أو يؤيدون يقولون ما يجول في عقول الناس".
وقال: "عبد الله يعتقل هو والأصدقاء سياسيا في أكثر من حادثة، مشهد اعتقاله كان قاسيا يكسر المعاني الصادقة التي نحاول الحفاظ عليها. عبد الله بائع على عربة يجمع رزقه الحلال، يغالب فقدان الأبناء ورحيلهم بسبب المرض، يترجم استمرارية الحياة بحرب الابتسامة".
وختم: "و يحنا حين يتحول الامن الى قاهر هذه الصورة، يستقوي عليها، يدير معركة الانتصار ناسيا أن هؤلاء الفتية هم البقية الباقية للجمال الذي يجبرنا الاعتكاف عليه حتى تستمر الحياة".
أما الصحفي عامر أبوعرفة، فقال: "جزء كبير من فرحتي بالحرية لأنها كانت على أبواب شهر رمضان.. شهر الصيام والبركة شهر تجمع العائلة على مائدة واحدة.. مهما تحاول أن تجد مبررا لما يجري ولكن عبثا.. ألا يكفي عبدالله عمايره ألم فقده لطفليه فرقهما عنه الموت .. ألا يكفي أيمن أبو عرام الاعتقالات المتتالية والنفس الوحدوي.. خرجت من هناك وكنت فرحا بالتوحد الذي يعيشه الأسرى أمام سجانهم الذي لا يفرق بين أي شخص كما هو المحتل لا تفرق رصاصاته بين أي شخص.. فلا تفرقوا بيننا أكثر".
بينما قال حمزة أبوغزالة: "عبدالله عمايرة، شاب وطني بسيط، أسير محرر ومكافح ومحبوب من الكل.. عبدالله توفي ابنه قبل أشهر بعد معاناة مع المرض ورفضت السلطة توفير تحويلة طبية له، وقبلها بسنة توفيت ابنته لنفس السبب".
وقال: "عبدالله عانى كثيرا، اعتقالات عند الاحتلال ووفاة ابنه وبنته، وبالأمس تم اعتقاله من الشارع أثناء بيع القهوة.. تهمة عبدالله أنه حر يرفض أن يكون عبداً ذليلاً لسلطة الفساد والقمع والإجرام كغيره من القطيع."
يذكر أن الأجهزة الأمنية اعتقلت "العمايرة" عام 2021 وخضع للتحقيق لدى جهاز المخابرات بالخليل على خلفية أضحية ضحى بها عن روح الناشط السياسي الراحل، نزار بنات وطفلته سارة.
وكالة الصحافة الوطنية