كانت مرج الزهور الصبية التي حملت اسم قضية كاملة جنينا في بطن أمها وحينما ولدتها كان والدها الشيخ محمود أبو هين مبعدا في مرج الزهور، ولطالما سئلت مرج الزهور عند أول مقابلة مع أحدهم عن سر اسمها فتضحك وتحكي قصة والدها القائد الذي أبعده الاحتلال إلى مرج الزهور مع 415 ناشطاً إسلامياً فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام 1992م.
ما بعد ظهر الأمس، فُجعت الحركة الصحافية في قطاع غزة على خبر رحيل مرج الزهور، صبية، دخلت إلى المستشفى في لحظتها الأخيرة، نتيجة ارتفاع ضغط مفاجئ، وهي لا زالت في أسبوع حملها الرابع والثلاثين، لم يعطها الوقت حصة كافية لتكمل الحياة وتربي طفلتها الوليدة، التي اضطر الأطباء لتوليدها من رحم أم تلفظ أنفاسها الأخيرة.
رحلت مرج الزهور دون أن تلقي نظرة على طفلتها، تلك كانت محطتها الأخيرة في حياة صحافية مليئة بالتحديات، أولها أب مبعد، وأوسطها أب شهيد كانت تتمنى أن تراه وتعيش في كنفه، وآخرها طفلة تبدأ القصة من جديد دون أمها.
كانت الذكريات قليلة في حياة مرج الزهور، مؤلمة كما قالت في لقاء سابق معها: "جئتُ للحياة ولم أحمل من ذكريات والدي سوى هذه الرسالة؛ خطتها يده خلال إبعاده لمخيم "مرج الزهور" جنوب لبنان عام 1992م، ولدتُ دون أن أسمع الأذان بصوته، دون حضنه الأول. أعلم يا أبي أن الحزن كان يملأ قلبك وأنت في مرحلة إبعاد لمخيم "مرج الزهور" في لبنان.
وأضافت "عندما سميتني كنت جنينًا وعندما جاء موعد ميلادي وخروجي للدنيا، لم تكن موجودًا، افتقدت الحضن الأول وتمرير صوت الأذان في أذني، فقد فصلت بيننا أميال من الإبعاد تفرق فلسطين عن لبنان ويجثم بينهما الاحتلال، لكن قلبك كان بقربنا.. حاضرا معنا".
في 1 أيار (مايو) 2003م، وخلال أحد اقتحامات الاحتلال لحي الزيتون شرق مدينة غزة، استيقظت العائلة على أصوات الرصاص واقتحامات فضاء الطفلة الساكن، التي لم تعش كثيرا في كنف والدها، لكن الموت يظل في ذاكرة الطفلة التي لم تجمعها مع والدها كثير من الذكريات، لأنه عاش حياة مليئة بالمطاردة من الاحتلال.
هذه الذكرى الوحيدة لحرب دارت بين والدها وجنود الاحتلال لساعات طويلة، وأصوات أقدام تركض بين الأزقة تحاول إنقاذ الأطفال، وفقد كبير خلد في ذاكرة زهور، كفقدها بالأمس الذي سيخلد في ذاكرة الحركة الصحافية للأبد.