قدّم بنيامين نتنياهو وعداً خطيراً لحليفه في الحكومة، إيتمار بن غفير، وهو الموافقة على إنشاء "الحرس الوطني"، أو المليشيات التي يطالب بها بن غفير منذ تشكيل الحكومة، فما قصة تلك المليشيات؟ ومن المستهدفون بها؟
كانت (إسرائيل) قد عاشت الاثنين 27 آذار/ مارس 2023 واحدة من أخطر اللحظات في تاريخها، حيث وجَّه وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، الدعوة للقاعدة الانتخابية من المستوطنين واليمين المتطرف للنزول إلى الشوارع في مواجهة المحتجين الرافضين للتعديلات القضائية، وهو ما حدث بالفعل.
وجاء إعلان بنيامين نتنياهو تأجيل التصويت على التعديلات القضائية لمدة شهر لإعطاء الفرصة لمزيد من التشاور، بمثابة نزع مؤقت لفتيل الأزمة، التي تهدد باندلاع حرب أهلية في (إسرائيل) في ظل الانقسامات العميقة، فلماذا وافق بن غفير على التأجيل؟
تعيش (إسرائيل) حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية وياريف ليفين وزير العدل، تمريرها.
وكان بن غفير من أول المهددين بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حالة التراجع عن التعديلات، التي يصفها المعارضون بأنها انقلاب قضائي وتهديد وجودي لديمقراطية (إسرائيل)، فلماذا وافق الوزير المتشدد على التأجيل؟
قال بن غفير إنه وافق على التأجيل مقابل التزام بطرح التشريع في جلسة الكنيست المقبلة، إضافة إلى اتفاق على تشكيل "حرس وطني" تحت إمرة وزارته، وهي خطوة ينتقدها خصومه بشدة قائلين: إنها ستمنحه مليشيات خاصة به.
ووصف تحليل لموقع Vox الأمريكي، الوعد الذي قدمه نتنياهو لابن غفير بأنه "خطير للغاية"، فرئيس الوزراء الذي يحاكم بتهم الفساد وخيانة الأمانة قدّم وعداً لوزير متطرف مفاده الموافقة على تشكيل مليشيات مسلحة تأتمر بأمر بن غفير. ولا شك أن وضع مليشيات مسلحة تحت قيادة مدان بدعم الإرهاب اعتاد على تعليق صورة لإرهابي ارتكب جريمة قتل جماعي، يعتبر في حد ذاته مؤشراً على أن الأزمة التي تهدد بانفجار (إسرائيل) من الداخل قد تكون أصبحت أكثر خطورة.
ففي أثناء إلقاء نتنياهو لخطاب تأجيل التصويت على التعديلات، تجمعت حشود ضخمة في القدس المحتلة وتل أبيب، بما شمل مظاهرة كبيرة نظمها مؤيدون من اليمين المتطرف للتعديلات القضائية، وأثار وجودهم مخاوف من وقوع أعمال عنف بين الجانبين. وكان هذا التجمع المؤيد لحكومة نتنياهو يلبي دعوة بن غفير.
لكن في ظل تصعيد المعارضة ووصول الانقسامات إلى صفوف جيش الاحتلال وقياداته، وإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت بعد تعبيره علناً عن رفض التعديلات القضائية، اتخذ نتنياهو خطوة إلى الوراء وأعلن عن تأجيل التصويت في الكنيست على تلك التعديلات، ليجد بن غفير فرصة سانحة.
استغل بن غفير الموقف لكي يحقق أحد أهدافه المعلنة وهو تشكيل مليشيات مسلحة تحت قيادته لها ميزانية منفصلة عن شرطة الاحتلال، ومهام مختلفة أيضاً، وهذا الهدف كان حاضراً خلال مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي قبل بضعة أشهر.
فكرة تشكيل مليشيات مسلحة بموازنة منفصلة عن موازنة الشرطة ليست جديدة في حد ذاتها، وشكلت الحكومة السابقة في (إسرائيل) تشكيلات مشابهة بالفعل في مناطق النقب والضفة الغربية المحتلة، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي ولا شرعي بطبيعة الحال.
لكن إيتمار بن غفير أراد تشكيل ما يسميه "الحرس الوطني" منذ البداية، ووضع ذلك شرطاً أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، وبعد تشكيل الحكومة بالفعل، كتب المتطرف الذي يتولى حقيبة الأمن الداخلي على حسابه في تويتر يوم 28 كانون الثاني/ يناير الماضي مطالبا بإنشاء الحرس الوطني في (إسرائيل). وأكّد إيتمار بن غفير في نفس التغريدة أنه أصدر أوامره بمضاعفة القوى العاملة في قسم الأسلحة النارية وتوفير السلاح لمزيد من الأفراد والمستوطنين.
وبحسب تقارير محلية (إسرائيلية)، فإن الحديث حول إنشاء تلك المليشيات ليس جديداً في حد ذاته؛ لكن الجديد هو إصرار بن غفير على أن تأخذ الأمور شكلاً رسمياً، فيتم تمرير تشريع في الكنيست بإنشاء الحرس الوطني وتضمين ميزانية وزيرة الأمن العام بنداً وتمويلاً لتلك القوة.
وتواجه مسألة إنشاء تلك المليشيات تحت قيادة بن غفير معارضة من جانب قادة جهاز الشرطة (الإسرائيلية)، الذين يقولون إن جهاز الشرطة واحد ويجب أن يظل واحداً، لكن تأسيس مليشيات مسلحة تحت قيادة بن غفير يعني أن هناك شرطتين وقيادتين.
لكن المعارضة لتلك المليشيات لا تقتصر على بعض قيادات جهاز الشرطة؛ بل تشمل سياسيين من المعارضة ومحللين يساريين يرون أن بن غفير مستوطن يميني متطرف ووجود مليشيات مسلحة تحت قيادته يمثل خطورة على الأمن الداخلي في الدولة العبرية، وعلى صورتها في الخارج كدولة "ديمقراطية".
على أية حال، وعد نتنياهو بن غفير بالموافقة، خلال اجتماع الحكومة (الإسرائيلية) الأحد 2 نيسان/ أبريل، على ضم وحدات "الحرس الوطني" الموجودة حالياً كجزء من قوات حرس الحدود، إلى وزارة الأمن العام لتصبح تحت القيادة المباشرة لزعيم حزب القوة اليهودية المتطرف، بشرط أن يسحب بن غفير تهديده بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا ما تم تأجيل التعديلات القضائية، بحسب تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست.
تمثل قوات الحرس الوطني حالياً إحدى وحدات حرس الحدود، ويبلغ قوامها 900 مقاتل نظامي، إضافة إلى آلاف آخرين من الاحتياط والمتطوعين، كانت الحكومة السابقة قد شكلتها لتعمل داخل الضفة الغربية المحتلة والنقب، خصوصاً عند تهجير فلسطينيين من بيوتهم وقراهم أو عند قيام جيش الاحتلال بمداهمة القرى والبلدات الفلسطينية.
مَن المستهدفون بمليشيات بن غفير؟
ترى بعض التقارير (الإسرائيلية) أن وعد نتنياهو لـ "بن غفير" بتأسيس المليشيات التي يريدها قد لا يتحول إلى واقع في المدى القصير، وذلك لأسباب تتعلق بالميزانية والأمور اللوجستية وغيرها، حيث قال قائد الشرطة السابق إن الأمر قد يستغرق 5-6 أشهر.
لكن بعيداً عن متى يمكن أن تصبح تلك المليشيات أمراً واقعاً؟ أو حتى هل يمكن أن يحدث ذلك؟ فإن السؤال هنا هو: لماذا يصر بن غفير على تأسيس تلك المليشيات وتحت قيادته تحديداً؟ فالرجل هو وزير الأمن الداخلي وقوات الشرطة بأكملها تحت قيادته، وهو وزير مهم في الائتلاف الحاكم، فماذا يمكن أن تضيف له تلك المليشيات أو الحرس الوطني كما يسميها؟
القائد العام السابق لشرطة الاحتلال، موشي كارادي، وصف ما يحدث بالأمر الخطير، قائلاً في مؤتمر صحفي: "شكَّل بن غفير مليشيات خاصة لتحقيق أغراضه السياسية، فهو يفكك ديمقراطية (إسرائيل) ويستدعي أي شخص يختلف معه للتحقيق."
كما شنت جمعية الحقوق المدنية في (إسرائيل) هجوماً عنيفاً على تلك الخطوة، فقالت في بيان: "شاهدنا بالفعل ما يريد بن غفير أن يقوم به لقمع الاحتجاجات، ولا يسعنا سوى أن نتخيل ما يمكن أن يحدث عندما يمتلك مليشياته الخاصة. من المهم أن نفهم أن وعد نتنياهو لـ "بن غفير" يعني إضفاء الشرعية على مليشيات خاصة مسلحة تأتمر بأمر بن غفير".
ويريد بن غفير أن يتم رصد أموال كافية في الميزانية العامة لتسليح عشرات الآلاف من "المتطوعين" ليصبح قوام "الحرس الوطني" أو تلك المليشيات تحت إمرته في نفس قوة الشرطة وحرس الحدود، بل وأكثر تسليحاً وأقل التزاماً بقواعد الاشتباك التي تحدث عند فض المظاهرات أو غيرها من المواقف بين الشرطة والمدنيين.
لكن حقيقة الأمر هي أن تلك المليشيات ستستهدف بالأساس عرب 1948 أو الفلسطينيين الحاملين للجنسية (الإسرائيلية)، بحسب أغلب المراقبين (الإسرائيليين) أنفسهم؛ بل إن بيان جمعية الحقوق المدنية في (إسرائيل) قد ذكر ذلك الأمر بشكل مباشر: "هذه وحدة شرطية الهدف الرئيسي من وجودها هو العمل في المدن المختلطة ضد السكان العرب".
وأضاف بيان جمعية الحقوق المدنية: "مثل هذه القوة تحت سيطرة بن غفير تساوي انتهاكات مؤكدة لحقوق العرب في (إسرائيل)، إضافة إلى أن تنفيذ هذا المقترح فعلاً يعني أنه قد يستخدم تلك المليشيات في قمع الاحتجاجات والمظاهرات".
ومن المقرر، طبقاً لوعد بنيامين نتنياهو لـ "بن غفير"، أن تمرر الحكومة يوم الأحد 2 نيسان/ أبريل، مشروع قانون بتأسيس وتنظيم وتمويل تلك المليشيات المسلحة، ليصبح وجودها رسمياً وشرعياً بحسب قوانين الدولة العبرية.
وسيفتح هذا التطور الباب على مصراعيه لانضمام عصابات المستوطنين المسلحين الذين يعتدون على الفلسطينيين ويحرقون منازلهم ويرهبونهم كما حدث في قرية حوارة مؤخراً، إلى مليشيات الحرس الوطني المزمع تأسيسها، وبعد أن كان هؤلاء المستوطنون يرتكبون جرائمهم في حماية شرطة الاحتلال، سيصبحون هم قوات رسمية.