حركة حماس من الحركات الفلسطينية القليلة التي تمتاز بالديناميكية فهي قادرة على التعايش مع الملاحقة وتطوير وسائلها وأدواتها في ظل حالة الملاحقة والحصار، وبالرجوع لتاريخ الحركة يظهر هذا جليا في كل المراحل والتجارب التي خاضتها.
وقد بات المسار الثوري هو السمة الأبرز في رؤية الحركة السياسية وحتى سلوكها الميداني، من يحاول حصر العقبات والصعوبات المفروضة على حماس عالميا وإقليميا وداخليا يتعجب من قدرتها على البقاء حتى الآن في ظل كل هذا الضغط، فما بالنا بالتقدم وقيادة الشارع والتأثير حتى في القدس والداخل المحتل بشهادة قادة الرأي لدى العدو!
لقد استمعت لخطاب القائد يحيى السنوار في مهرجان الضفة درع القدس ضمن فعاليات احياء يوم القدس العالمي في غزة، فالرجل قد يتشابه مضمون ما تحدث به مع معظم قادة الحركة، لكن ما استوقفني هو أن القائد السنوار يعبر عن رؤية حماس الثورية كحركة تحرر وطني تقرأ الواقع بكل دقة وتبنى استراتيجيتها على مبدأ الهجوم وليس الانكفاء، فالرجل عبر عن رؤية حماس للصراع وفهمها للواقع، واضعا المستمع في صلب مشروع ورؤية العدو الإقليمية ثم المحلية القائمة على تمزيق الأمة ، ثم المطلوب لهزيمته سواء على الصعيد الإقليمي أو المحلي، واستعرض جهود حماس في استنهاض كل مكونات الأمة وتجميعها لتقاتل تحت راية واحدة نبيلة وهي راية الحق الفلسطيني وعنوانها الحالي معركة الدفاع عن المسجد الأقصى.
وقد أظهر الرجل اطلاع حماس بكل ما يحدث في الساحات الفلسطينية الأخرى وخاصة القدس، وقد أظهر بالفعل قدرة المقاومة على التدخل إن تطلب الأمر ذلك، فهي ترصد وتراقب كل حركة وسكنة وتقيم المواقف وتفرض المعادلات.
لقد أكد القائد السنوار بأن حماس تجاوزت مرحلة استثمار الفرص وانتظار الأحداث فباتت تصنعها وتهيئ الظروف لها، حتى ما إذا حاول العدو تجاوز الخطوط الحمراء كان له شعبنا ومقاومته بالمرصاد، فحماس نجحت بتجاوز البعد الجغرافي وباتت منتشرة في جميع الساحات بفكرها الثوري، وتجاوزت شح الإمكانات بتعدد الوسائل فكل أدوات النضال تحقق الهدف، وتجاوزت ضرب المجموعات المنظمة بأن تصبح المقاومة فكرة تستقطب كل الفئات والألوان.
لعل حماس وقيادتها درست الوعي الجمعي لشعبنا الفلسطيني، فنحن نعشق الثوار ونقدر الأبطال، فاستثمرت في صور البطولة وأعادت احياء قيم النصرة والثورة والتصدي والمواجهة، فبات شعبنا الفلسطيني في كل ساحاته رهن إشارة المقاومة، فهو يرى فيها النموذج الصادق الذي يدافع عنه ويجاهد ليعيد له حقه السليب، وما حديث الرجل عن الانتصار لشرف المرأة الحرة في القدس لهو يؤكد ذلك ..
لقد أثبتت حماس بأنها تمتلك رؤية وطنية شاملة للصراع وبأنها الأقدر على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وبأن استراتجية المواجهة أفضل من الانكفاء والنواح على الأطلال ومناشدة العالم، فالعدو المحتل لا يردعه إلا المقاومة، والعالم لا يحترم إلا الأقوياء في ظل لغة المصالح التي تحكمه.