أوشك شهر رمضان الكريم على الانقضاء، لكن ما يزال الغزيون يمارسون الطقوس الرمضانية التي اعتادوا عليه لخلق جو من الألفة والمحبة لتعزيز الأواصر الاجتماعية، ففي مشهد تسمو فيه معاني الترابط فيما بينهم تمتد الموائد الرمضانية من شمال القطاع إلى جنوبه ولكل حالة من هذه الموائد حكاية.
خلال جائحة كورونا حرم الغزيون في السنوات الماضية الطقوس الرمضانية كالزيارات والولائم بين الأرحام والأصدقاء والجيران، فالوضع الوبائي خلال العاميين الماضيين لم يسمح بأي تجمعات تخالف المعايير المجتمعية والصحية، إلا أن الأجواء الرمضانية عادت لطبيعتها مع عادات كانت اندثرت لسنوات.
(إفطارك عليك، وضيافتك علينا) شعار رفعه أهالي بيت لاهيا شمال القطاع، لحث الشباب والرجال والأطفال للتجمع في ساحة كبيرة، بشرط أن يحضر كل واحد منهم فطوره من بيته، والقائمين على المبادرة يقدمون لهم الحلويات والقهوة.
وغالبية الموائد زينها أصحابها بالأكلات الفلسطينية كالمفتول والمقلوبة والمحاشي بأنواعها، والحمص والفلافل المحشو بالبصل والسماق.
يقول إبراهيم مسلم أحد القائمين على المبادرة، إن فكرتها قائمة تشارك أهالي المدينة العاملون في الزراعة بعد يوم شاق من النهار الأطباق الشهية، حيث تفرش الموائد ويتقاسم الجميع ما لذ وطاب من أكلات تراثية كالمقلوبة والرز الأصفر، وكذلك الوصفات الحديثة التي تجيدها الشابات.
ويحكي مسلم (للرسالة نت) أنه بمجرد اقتراح الفكرة مع شركاءه رحب أهالي بيت لاهيا بالفكرة وتسابقوا فيما بينهم للحضور، لدرجة أنهم عزموا بعض الأصدقاء والمعارف للحضور، وسرعان ما انتشرت هذه العادة من شمال القطاع إلى جنوبه.
ويذكر أن هذه عادة متجذرة في بيت لاهيا توارثتها الأجيال، خلال رمضان حيث يجتمعون في مكان مفتوح ويأتون بطعامهم من البيوت، وبعض المحاصيل الزراعية كالفراولة والحمضيات.
ويشير إلى أنه وقت الإفطار يتقاسم الجميع فيما بينهم الطعام والشراب، وحين يفرغون من الأكل يصلون المغرب وينصتون إلى المديح النبوي، وتعقد المسابقات وتوزع الجوائز.
وبفعل السوشيال ميديا وانتشار الصور والفيديوهات عن فعالية إفطار الشمال، استلهمت بقية المناطق الفكرة وطبقتها في المخيمات والمدن الغزية، والقول لمسلم.
ومن ضمن المشاركين في الفعالية كان المصور عبد الحكيم أبو رياش وهو من سكان بيت لاهيا أيضا، والذي ذكر (للرسالة نت) أن الإفطار لاقى اقبالا كبيرا من أهالي بلدته، رغم أنها جهد شبابي لم يدعمه أحد سوى بعض المتبرعين من كبارات البلدة.
ويقول إنه دعا بعض الأصدقاء من خانيونس ورفح ومخيم النصيرات للمشاركة في الإفطار وشعروا بفرحة كبيرة، وتشجعوا بعدها لتطبيق المبادرة في أماكن سكناهم، بالإضافة إلى أنه شارك بتلك الإفطارات وقام بتصويرها ومشاركة الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به.
وبحسب أبو رياش فإن أصدقاءه المغتربين التقوا ببعضهم في النرويج تركيا وغيرها من الدول الأوروبية، وأحضروا الأطباق الفلسطينية وتقاسموها.
وإلى مخيم البريج حيث الفعالية الرمضانية الأخيرة، ( الرسالة نت( التقت محمد الشيمي أحد القائمين على الفعالية والذي قال بعد انتهاء الفعالية: " الحمد لله أني كنت جنديا خدم أهله بالطريقة التي تليق بهم ونقل الإفطار الجماعي بصورة تبقي مسجلة في ذاكرة الأجيال (..) مخيم البريج هو الأجمل والأروع في رسم لوحة الوحدة المجتمعية والوطنية ".
ويطمح الشباب المبادرون على تعميم هذه الفعالية الرمضانية لتصل إلى كل المدن الفلسطينية، والمغتربون في الخارج.
ويحاول الغزيون استراق الفرحة، بعيدا عن منغصات الحياة السياسية التي يعيشوها بفعل التصعيد (الإسرائيلي) من حين لأخر، عدا عن الحصار الذي فاق الـ 16 عاما، فهم يصنعون من الركام حياة، خاصة في شهر رمضان الذي له مكانته الروحانية لديهم.